دفع الهجوم الذي تشنه أنقرة ضد المقاتلين الأكراد في شمال شرق سوريا نحو 100 ألف شخص للنزوح، وفق ما قدرت الأمم المتحدة، في وقت تتواصل الاشتباكات العنيفة مع محاولة قوات سوريا الديموقراطية التصدي للتقدم التركي، وتستمر التصريحات الأميركية المتناقضة حول الهجوم التركي، إذ بعدما حذر وزير الدفاع الأميركي مارك إسبر من "عواقب وخيمة"، قال قائد هيئة الأركان أن العملية التركية "محدودة نسبياً"، وبعدما طالته انتقادات لاذعة متهمة إياه بالتخلي عن الأكراد ومحذرة من انتعاش تنظيم الدولة الإسلامية، كلّف الرئيس الأميركي دونالد ترامب دبلوماسيّين التوسّط في "وقف لإطلاق النار" بين حليفيه، الأكراد شركاؤه الأبرز في الحرب ضد تنظيم داعش والمجموعات الإرهابية، وأنقرة شريكته في حلف شمال الأطلسي.

تفويض الخزانة الأميركية

أكد وزير الخزانة الأميركي ستيفن منوتشين أن الولايات المتحدة تستطيع "شل" الاقتصاد التركي " إذا اضطرت إلى ذلك" مع استمرار هجوم أنقرة على المقاتلين الأكراد في شمال شرق سوريا، وقال منوتشين في مؤتمر صحافي إن الرئيس "دونالد ترمب يعتزم توقيع مرسوم لردع تركيا عن مواصلة هجومها العسكري في شمال شرق سوريا"، وأضاف "إنها عقوبات شديدة جدا، نأمل ألا نضطر للجوء إليها، ولكننا نستطيع شل الاقتصاد التركي إذا اضطررنا إلى ذلك".
تركيا لن توقف هجومها
أكد الرئيس التركي رجب طيب إردوغان أن بلاده "لن توقف" عمليتها العسكرية في سوريا ضد الأكراد، رافضا "التهديدات" في هذا الاطار، وقال في خطاب له في إسطنبول "لا يهمنا ما يقوله البعض، لن نوقف هذه" العملية التي تستهدف وحدات حماية الشعب الكردية في شمال شرق سوريا.



100 ألف نازح

وأعلنت الأمم المتحدة أن "ما يقرب من 100 ألف شخص قد غادروا منازلهم"، مشيرة إلى أنه "رغم أنه تمّ إيواء معظمهم في المجتمعات المضيفة، إلا أنّ أعداداً متزايدة منهم ما زالوا يتوافدون على مراكز الإيواء الجماعية والمدارس" في محافظة الحسكة، وجراء التصعيد، باتت بلدات حدودية بأكملها شبه خالية. وشوهد عشرات النازحين لدى وصولهم إلى بلدة تل تمر التي تكتظ تدريجياً بالفارين، وأخلت الإدارة الذاتية الكردية مخيم المبروكة للنازحين، الواقع على بعد 12 كيلومتراً من الحدود وتبحث عن موقع بديل لمخيم عين عيسى، لحماية 20 ألف نازح في الموقعين من القصف التركي.

خيارات محدودة

أثار الهجوم العسكري الذي تشنه تركيا على المقاتلين الأكراد في سوريا قلقًا وغضبًا في الاتحاد الأوروبي، لكن دبلوماسيين يقولون إنه من غير المرجح أن يتخذ الاتحاد إجراءات ملموسة في شكل عقوبات، وحض زعماء الاتحاد الأوروبي أنقرة على وقف هجومها على المقاتلين الأكراد في شمال سوريا، محذرين من العواقب الإنسانية الكارثية التي يمكن أن تنتج عنه، وخطر عودته تنظيم الدولة الإسلامية، وأثار الرئيس التركي رجب طيب إردوغان غضب حلفائه المفترضين في الاتحاد الأوروبي عندما هدد بالسماح لملايين اللاجئين بالتوجه إلى أوروبا إذا انتقد الاتحاد الهجوم، فيما رد رئيس المجلس الأوروبي دونالد توسك خلال زيارته قبرص على تصريحات إردوغان بشأن اللاجئين، ووصفها ب "الابتزاز" لأوروبا "وليست في مكانها"، داعياً في الوقت نفسه إلى وقف العملية العسكرية التركية. وباستثناء الدعوة إلى ضبط النفس في سوريا، وإدانة خطاب أردوغان الناري، فإن الاتحاد الأوروبي يفتقر إلى خيارات التحرك لأن عددًا من الدول الأعضاء يخشى من زيادة تأجيج الوضع المعقد والحساس.

العقوبات مطروحة

من المتوقع أن تهيمن المسألة التركية على جدول الأعمال في اجتماع وزراء خارجية الاتحاد الأوروبي في لوكسمبورغ الإثنين - سواء بالنسبة للعملية العسكرية أو لعمليات التنقيب عن النفط والغاز المثيرة للجدل المستمرة قبالة قبرص، وأصدر الاتحاد الأوروبي تصريحات متكررة تدين عمليات التنقيب التركية. وسيجري الوزراء المزيد من المحادثات حول عقوبات محتملة ضد أفراد مشاركين في هذه العمليات، لكن في الوقت الذي تضغط فيه قبرص واليونان لاتخاذ مثل هذه الإجراءات، يقول دبلوماسيون إن الدول الأخرى أكثر حذراً، إذ تخشى أن تتسبب العقوبات بزيادة التوتر مع أنقرة.