بعد مرور سنتين ونصف من رئاسة ترمب، لا يوجد شك بأن العقوبات الاقتصادية هي اختياره لسلاح السياسة الخارجية في رئاسته، بدءا من الصين وحتى إيران وفنزويلا، فيما ظلت العقوبات والأدوات الاقتصادية القسرية الأخرى محورية بالنسبة لحملات ضغط ترمب القصوى على خصوم الولايات المتحدة، ولكنه لا يقوم فقط بطرح العقوبات بقوة أكبر من سابقيه، وإنما يستخدمها كذلك بطرق جديدة.

وكشف فحص مكثف لاستخدام الرئاسة للعقوبات 3 توجهات واسعة، مما يثير الأسئلة المهمة عن مستقبل فن الحكم الاقتصادي الأميركي القسري.

التوجه الأول

ويرى موقع foreignpolicy أن التوجه الأول يعكس مستوى لم يسبق له مثيل من العدوانية، إذ كشفت البيانات التي جمعتها شركة المحاماة Gibson Dunn & Crutcher أن الولايات المتحدة أضافت في 2018 نحو 1500 شخص وشركة ومنشأة إلى العقوبات، التي تديرها وزارة الخزانة، بارتفاع بنسبة 50 % عن ثاني أعلى سنة على الإطلاق وهو 2017.

ويقول الكاتب والمحلل بيتر إي هاريل، عندما عملت كأحد كبار مسؤولي العقوبات في وزارة الخارجية في رئاسة أوباما من 2012 إلى 2014، ركزت الحكومة بشكل عام على برنامج أو برنامجين أساسيين للعقوبات في كل مرة على حدة، إذ كانت لإيران الأولوية الواضحة للعقوبات بين 2010 و2015، بينما كانت لروسيا الأولوية من 2014 إلى 2016، في حين كانت برامج العقوبات الأخرى أقل بكثير في القائمة.

ثلاث دول

غير أن إدارة ترمب تابعت برامج العقوبات بشكل عدواني ضد 3 دول كأولوية، وهي إيران وفنزويلا وكوريا الشمالية، وفي نفس الوقت توسعت الإدارة في برنامج عقوبات ماجنيتسكي، الذي يستهدف منتهكي حقوق الإنسان الأفراد ضد كوبا وسورية وروسيا.

الأهداف المهمة

كشفت إدارة ترمب بأنها ستعاقب اقتصاديا الأهداف المهمة التي تكون ذات دور مهم في الأسواق العالمية، وتتضمن الأمثلة الواضحة في هذا الشأن الروسي أوليج ديريباسكا وشركته Rusal، التي تنتج حوالي 6 % من معروض العالم من الألمنيوم، إضافة إلى شركة النفط الوطنية بفنزويلا، PDVSA، التي صدرت حوالي 1.2 مليون برميل من النفط في اليوم في 2018 قبل فرض العقوبات عليها في شهر يناير.

العقوبات الثانوية

ووسع ترمب كذلك استخدام العقوبات التي تسمى بالعقوبات الثانوية التي تم تصميمها لإجبار الشركات الأجنبية على إيقاف أعمالها مع خصوم الولايات المتحدة، وهذه ليست جديدة، إذ استهدفت في أول استخدام لها في السبعينيات جهود الدول الأعضاء في جامعة الدول العربية، لإجبار الشركات الدولية على مقاطعة إسرائيل.

ولكن قبل أن يستلم ترمب الرئاسة، استخدمت الولايات المتحدة مجموعة محدودة من العقوبات الثانوية، مثلا بهدف ردع استثمارات الطاقة في إيران في إدارة أوباما، ولكن على العكس استخدم ترمب العقوبات الثانوية كأداة ذات أولوية بشكل واضح ضد إيران، كطريقة لفرض الضغط الاقتصادي.

التلميحات الدبلوماسية

ويتمثل التوجه الثاني في تركيز ترمب الزائد على التلميحات الدبلوماسية والسياسية المحيطة بالعقوبات الأميركية، إذ وضحت منذ فترة طويلة الأساس المنطقي للسياسة عند فرض عقوبات جديدة على الدول الأجنبية، فحينما فرضت إدارة أوباما العقوبات على روسيا في 2014، تم التواصل مع موسكو بأنه بالإمكان رفع العقوبات إذا قامت باتفاقية مينسك للسلام بين أوكرانيا وروسيا.

كما أن الشركات والأفراد المعاقبين كان لهم دائما القدرة على أن يقدموا التماسهم بهدوء إلى المنظمين الأميركيين، من أجل إزالة أنفسهم من قوائهم العقوبات إذا توقفوا عن أنشطتهم الخبيثة، أي أن الشركات تستطيع رفع تجميد أصولها واستكمال أعمالها مع الولايات المتحدة. ولكن ترمب زاد من التركيز على التلميحات، فيما يخص العقوبات الواسعة التي تستهدف الدول وتلك التي تستهدف الشركات والأفراد، فقد فرض وزير الخارجية مايك بومبيو مجموعة مكونة من 12 مطلبا لإيران، في مقابل الإعفاء الكامل من عقوبات الولايات المتحدة، إلا أن إدارة ترمب بدأت أيضا بفرض مطالب عامة على الأفراد والشركات المتضررة بالعقوبات المستهدفة.

التوجه الثالث

ويقول الكاتب هاريل إن التوجه الثالث تمثل في الاستخدام المتزايد للمعايير الاقتصادية القسرية غير العقوبات، حيث اعتمد ترمب في جهوده ضد الشركات الصينية، التي شملت هواوي وزد تي إي، والعديد من شركات الحوسبة، على ضوابط التصدير المستهدفة كأداة قسرية، بدلا من عقوبات وزارة الخزانة، مما سمح للولايات المتحدة بفرض التكاليف على المستهدفين، وفي نفس الوقت تقليص تكاليف الضمان على الأسواق العالمية، التي قد تظهر في حال قامت بإضافة هواوي إلى قوائم عقوبات الولايات المتحدة.

تأثير العقوبات

استخدام الرئيس للعقوبات كان ذو تأثير اقتصادي واضح، إذ تراجعت صادرات النفط الإيرانية بأكثر من 95 % من أكثر من 2 مليون برميل في اليوم، التي حققوها في وقت الصفقة النووية الإيرانية، ومشاريع صندوق النقد الدولي، التي سيقلصها اقتصاد إيران بـ6 % في 2019، فيما تراجعت أيضا صادرات النفط الفنزويلية، بعد أن شددت الولايات المتحدة العقوبات هذه السنة، الأمر الناجم جزئيا من التراجع في الشراء من الصين، فضلا عن دفع العقوبات على كوريا الشمالية اقتصادها إلى التراجع بقدر 4 % في 2018، وتراجع الصادرات بـ90 %.

الخيارات الأخرى

ويرى المحلل هاريل بأنه على الرغم من أن استراتيجية ترمب الضاغطة بأقصى شكل ممكن، كانت فعالة بشكل رائع في فرض تكاليف اقتصادية ضخمة، عندما يتعلق الأمر بالدول المتوحشة، إلا أن منهجية الرئيس الأميركي مع العقوبات لم تتجاوز بعد المسار التاريخي من الفاعلية في تحقيق المخرجات السياسية، مما يثير سؤالا حول ما هي الأدوات الأخرى المتاحة.

سلاح العقوبات في السياسة الخارجية لترمب

- استهدف ترمب 1500 شخص وشركة ومنشأة في 2018

- ارتفاع نسبة العقوبات 50 % عن ثاني أعلى سنة في 2017

- استهدف ترمب بشكل عدواني 3 دول كأولوية

- إيران وفنزويلا وكوريا الشمالية أهم الدولة المعاقبة

- معاقبة كوبا وسورية وروسيا بعقوبات ماجنيتسكي