تعد مؤسسة آل البيت الملكية للفكر الإسلامي في الأردن الشقيق من المؤسسات الفكرية المستقلة الرائدة في عالمنا العربي، وتسعى ومنذ 39 سنةً إلى توضيح دور الإسلام في تنظيم الواقع الإنساني، وتنضوي تحت إدارتها أكاديمية آل البيت، ومركز للدراسات، ودار للنشر، وكليات جامعية، وإدارات أخرى متنوعة.

وانسجاماً مع سنن الله سبحانه في خلق الكون والإنسان، وإبرازاً لأهمية البحث في علوم السنن الإلهية ودراستها لمواجهة ما تعاني منه الإنسانية من أمراض وانحرافات، نظمت مشكورة، وبرعاية ملكية سامية، مؤتمرها العام الثامن عشر، وخصصت له عنواناً كان غاية في الدقة وهو (سنن الله في خلقه)، تابعه 70 عالماً، من 30 دولة، تأكد عندهم أهمية الموضوع ومحاوره من خلال ما ذكره رئيس مجلس أمناء المؤسسة الأمير غازي بن محمد، كبير مستشاري الملك للشؤون الدينية والثقافية، ومبعوثه الشخصي، في مُفتتح اللقاء: «هذا الموضوع ـ سنن الله في خلقه ـ أُهمل كثيراً في تاريخ الإسلام إلا من قبل بعض المفسرين، وقد أحياه قبل نحو مئة سنة شيخ الأزهر الشيخ محمد عبده، -رحمه الله تعالى-، وكتب بعض العلماء فيه من جميع المذاهب الإسلامية، لكن لم نصل بعد إلى تحديد هذه السنن بشكل نهائي ومتفق عليه، ـ مضيفا ـ أن فَهم هذه السنن أسهل طريق إلى شيء من معرفة الله سبحانه وتعالى التي هي المراد من عبادته، وبالتالي المراد من خلقنا».

ليس لدي شك في أن (علم السنن الإلهية) أو العلم بالسنن الإلهية خير مساعد على فهم الحياة، وخير معين على تفسير ظواهرها المختلفة، وخير دافع لتحقيق الرقي الحضاري والتجديد الحياتي، وأنه لا يمكن بأي حال من الأحوال نسبة الأشياء من حولنا إلى الصدفة، كما لا يمكن مطلقا إسناد الأمور إلى غير مشيئة الله تعالى أو الخروج عن مقتضى السنن الإلهية التي أقام سبحانه وتعالى عليها نظام الكون والحياة.

أختم بأن المتأمل في القرآن الكريم والسنة المطهرة يمكنه بسهولة ملاحظة كيف عُرضت السنن الإلهية فيهما، ففي القرآن الكريم نجد أن العرض ربما تم بالصيغة الصريحة أو بالألفاظ الكونية أو بالاستفسارات الاستنكارية والتقريرية أو غير ذلك، بينما كان المنهج في الحديث النبوي الشريف عن طريق قصص السابقين والأمثلة النبوية والربط بالمسببات وغير ذلك، وكلها طرق توجب علينا الوعي بها، وأن نقوم بتفعيلها في حياتنا، وصولاً إلى اعتماد (علم سنن الله الكونية) أساساً في تجديد الفكر والخطاب الإسلامي، أو تجديد أهم الجوانب فيه، والتخلص من الفهم المغلوط لكثير منها، آخذين في الاعتبار ضرورة التعمق فيها تعمقا يحررنا من أسباب التخلف، ويضعنا على طريق إصلاح دنيانا وآخرتنا، والاقتناع بأن مسؤولياتنا متعددة، ومنها أن نؤثر إيجابا في غيرنا، وفي نفس الوقت أن نقبل تأثيره فينا.