التقاعد كلمة يخشاها كثيرون ويتمناها البعض، وتعني نهاية مرحلة من العمل الطويل والإنتاج، والانتقال إلى مرحلة الاسترخاء، وإعطاء الجسم والروح مساحة من الراحة والسكن والتمتع بالحياة. حينما تودع ذلك العمل الروتيني الذي قضيت فيه عشرات السنين، فذلك يسمى تقاعدا.

شخصيا لا أفهم سبب خوف كثيرين من (حلول) سن التقاعد، فهي فرصة ذهبية لتعويض ما فات من سنوات (العمر الغابر)، ولممارسة هوايات طال انتظارها، والإبداع في مجالات جديدة. وهي مرحلة تحتاج التأقلم والتخطيط بشكل دقيق، وإلا سوف يصاب الإنسان بصدمة كبيرة حين الانتقال من مرحلة العمل إلى مرحلة السكون والخمول بدون برنامج مسبق.

من المجالات الجميلة التي قد يستثمر الإنسان فيها وقته بعد مرحلة التقاعد، (العمل الخيري) الذي يجمع بين (الأجر) و(الرضا) النفسي، ويحقق السعادة النفسية التي يرجوها كثير. نرى بالغرب مئات المتطوعين للعمل مجانا في مجالات خيرية، ومنها المستشفيات وخدمة المرضى وأوجه كثيرة. يبهرني البعض ممن كسروا حاجز العمر، وهم قلة، ولكن نرى نشاطاتهم من تسلق جبال، واكتشاف جزر والانخراط في عادات جديدة على صعيد يومي وبنشاط عال وهمة حديد (ما شاء الله)، تتفوق على كثير ممن هم في منتصف أعمارهم. هناك القراءة والكتابة والأدب، وكتابة المذكرات وهي مرتع خصب للتسامح والتصالح مع الذات، وإعادة توجيه بوصلة الحياة نحو غد مشرق. وبالتأكيد قد يكون السفر إحدى متع التقاعد الجميلة، حيث يوجد الوقت الكافي لتعويض ما فات، كم منا من حاول اكتشاف أرجاء مملكتنا الغالية، أو حاول التوثيق التاريخي لمناطق مختلفة وعادات متنوعة وطبائع مختلفة.

الخطط كثيرة ومتنوعة، ولكن يجب الاقتناع بأنها مرحلة قادمة لا بد منها، وإن اقترنت بـ(صحة) و(دنانير) فذلك زيادة بالخير والاستمتاع. لا نريد أن نرى نماذج من الرجل العربي بعد الستين معلولي (الصحة)، غير آبهين بمنظرهم وهندامهم، مستسلمين وغير سعداء، ونرى (المرأة) معتكفة في زاوية (البيت)، تنتظر الموت، وهي ما زالت بمنتصف العمر. فلنغير نظرتنا نحو الحياة ونحيطها بالتفاؤل، ندعو إخواننا (الستينيين) وما فوقهم لاستثمار وقتهم بعيدا عن ضجيج (الأولاد)، فقد أعطيتموهم ما كفى من أعماركم، احزموا حقائب سفركم، البسوا أحسن الثياب، وفي رواية (البنطال)، واحمسوا قهوتكم على جبال الألب، واعزفوا (الربابة) والعود والكمان بأحلى (الأشجان) على شواطئ أغادير و(كان)، وسأكون سعيدا بمرافقتكم على نظام م.م (مكفول. محمول).