أطلقت وزارة الزراعة والمياه حملة (القطرة غالية) التي هطلت علينا كغيثٍ بهيج طال انتظاره وترقبه، فعلى الرغم من ارتفاع نسبة استهلاك الفرد للمياه، والذي يضعنا في المركز الثالث عالميا، إلا أننا أسرفنا في غض الطرف عن هذا الهدر المرعب في بلدنا الصحراوي.

ومع إدراكي لأهمية دور الفرد في الحفاظ على المياه، وضرورة مشاركته في الحفاظ عليها وتقديرها، إلا أنه يعد الطرف الأقل هدراً، فما تهدره المؤسسات الخاصة والحكومية كالفنادق والمطارات والأسواق والمساجد وغيرها لا يُقارن بما يهدره السعوديون في منازلهم مهما بلغ هدر المنازل، ولهذا فإن إغلاق صنبور الهدر يُوجب سن الأنظمة التي تجبر المؤسسات بأنواعها أولاً على حفظ نعمة المياه، والتوقف عن الهدر الآن، والاعتماد على المياه المعالجة Grey water في التنظيف والتشجير وغيرها من الاستخدامات، وحصر استخدام المياه الصالحة للشرب في الشرب فقط. يمكن كذلك تقنين كميات المياه في المرافق العامة باعتماد الأدوات الصحية المرشّدة، وربط ذلك بالتراخيص والتسهيلات، ومعاقبة وتغريم من يثبت استهانته ومخالفته من المؤسسات لهذه الاشتراطات، ويمكن كذلك إغلاق دورات المياه الخاصة بالمطاعم والمقاهي الموجودة داخل المجمعات، وتوجيه الزوار لاستخدام دورات المياه الموجودة في المجمع نفسه، كما يحدث حالياً في دول أوروبية عدة، مما يقلل هدر المطاعم ومرتاديها للمياه، ويحمل إدارة السوق مسؤولية المتابعة.

الفرد هو الحلقة الأضعف في سلسلة الاستهلاك مهما بلغت درجة استهلاكه، وأيا كان نوع هذا الاستهلاك. وكلنا نعلم أن نسبة من المواطنين تشتري صهاريج المياه، وقد ينتظر المواطن وقتا لا بأس به للحصول على هذه الخدمة، ومن المواطنين كذلك من يستأجر صهاريج الصرف الصحي وينتظر دوره أيضا للتخلص من الأذى، وقد يتعرض للمخالفات والغرامات بسبب ذلك. وفي توجيه هذه الحملة له تجاهل جارح لحاجةٍ هي من أهم احتياجاته الأساسية وهي الحصول على المياه المناسبة في أي وقت ودون خوف من انقطاعها. لا شك أن التوعية مطلب؛ لأن الوعي سيسهم في الوصول للهدف بشكل أسرع، لكن تثقيف الفئات الأكثر تأثيراً في هذه المعادلة سيضبط النتائج بشكل أكبر، كما أن متابعة التثقيف بالقوانين والغرامات سيكون لها مفعول أكبر من محاولة نشر الثقافة من خلال التوعية فقط. أما توجيه عبارة (القطرة غالية) للأفراد دون المؤسسات فيشبه في نظري الاستمرار في مسح الأرضية مع ترك الصنابير التي تسببت في فيضان المغسلة مفتوحة.