في برنامج لطيف يُعرض على التلفزيون البريطاني تُقدَّم فيه مشاهد تمثيلية عن البريطانيين في العصور الوسطى، أحد هذه المشاهد يشير إلى الغلو الديني في تلك الفترة، والذي كان يعدّ اللهو والترفيه مناقض لرسالة المسيح عليه السلام التي جاءت بالآلام والأحزان حتى تتطهر النفس من الذنوب، المشهد يصور الأطفال وينقل معاناة الناس العاديين مع تلك الأفكار اللاإنسانية.

تقوم سيدة مع زوجها وهما بمظهر يستجلب الضحك للأطفال بمهاجمةِ احتفالية لشباب، لتقول السيدة لهم: ما تفعلونه ترفيه وهو ضد تعاليم المسيح، يجب أن تتألموا لتصلكم روح المسيح السماوية لا أن تستمتعوا. (تقول ذلك بحرقة وغضب)، لكن طفلاً صغيراً يسألها قائلا: لكنكِ تستمتعين بهذا، تستمتعين بالصراخ علينا والغضب مما نفعل، أليس كذلك؟، فتصمت كأنها لأول مرة تدرك ذلك.

في الحقيقة لا أجد أشد حرمةً من إجبار الناس على أن يكونوا ملائكة لا بشر من إجبارهم على فكرة التخلي عن الاستمتاع الذي ليس فيه إيذاء وانتهاك لحياة إنسان آخر ولا تعطيل لما اُتفق على حرمته، وهو قليل جدا لحدٍ يجعلنا نستطيع أن نستمتع بالترفيه كمسلمين، ولا ننسى نصيبنا من الدنيا.

ولا أجد ترفيهاً محرماً مثل ما يفعله هؤلاء الذين يحاولون فرض معاييرهم في الحياة علينا بادعاءات وهمية تثير البلبلة في المجتمع ولا تُصدّق، فأرقام الحاضرين للفعاليات تشير بوضوح إلى اختيار السعوديين أن يكونوا كما خلقهم الله بشرا، يستمتعون بالحياة ويرتكبون الصواب والخطأ دون ادعاء العصمة والملائكية اللتين قطعاً لم يردهما الله عزوجل أبداً لنا.

من جانب عملي، هذا الترفيه الذي أصبح في يد السعوديين اليوم ـ السعوديون الذين كانت تنحصر متعتهم في التجول في الأسواق أو التمدد أمام التلفزيون وبعده غزو السوشيال ميديا ـ سيغير حياتهم العملية تماماً، فمعادلة الترفيه في إجازة الأسبوع والانطلاق للعمل خلال الأسبوع ستعيد الأمور إلى نصابها في مجتمعنا، وستعود مليارات الترفيه التي كانت توزع في الخارج لتصب في ميزانية بلادنا. وأرقام الاقتصاديين لا تكذب.