تميّزت العلاقة السعودية الروسية بميزة أكسبتها عن بقية علاقاتها الخارجية الأوروبية الأخرى، نوعا من الانفرادية في العلاقات الثنائية، إذ كان الاتحاد السوفيتي الذي لم يمض على نشأته أكثر من 7 سنوات، إثر ثورة أكتوبر 1917، أول دولة في العالم -من غير الدول العربية- تبادر للاعتراف بالملك عبدالعزيز، وبدولته الجديدة في شبه الجزيرة العربية.

ودعما لهذا الاعتراف الدبلوماسي، بادرت الحكومة السوفيتية إلى إرسال وفد سوفيتي رسمي مسلم، للاشتراك في المؤتمر الإسلامي الذي دعا الملك عبدالعزيز إلى عقده في مكة المكرمة عام 1926.

وفي ذلك المؤتمر الإسلامي، أعلن الروس اعترافهم وتأييدهم ودعمهم للحكم السعودي، أي قبل الإعلان الرسمي على توحيد العربية السعودية بـ6 سنوات.

وهناك ميزة أخرى في تاريخ العلاقات بين البلدين، وهي أن السعودية كانت أول دولة عربية تقيم علاقات دبلوماسية مع روسيا.

وعلى خلفية زيارة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين للرياض، الإثنين الماضي، والتي تعد الزيارة الأولى منذ 12 سنة، كان الحديث في إعلامنا السعودي بشقّيه «المقروء والمكتوب» عن أهمية هذه الزيارة وعمقها التاريخي، وترددت بكثرة معلومة أن روسيا أول دولة أجنبية تعترف بالسعودية عام 1926.

وفي حقيقة الأمر، أن الاتصالات والمراسلات بين الحكومتين أقدم من ذلك بكثير. فبينما كان الوجود البريطاني في الخليج العربي مهيمنا، رغم منافسة القوى الأوروبية، وفي مقدمتها البرتغاليون والهولنديون والفرنسيون، استطاعت بريطانيا -عبر صراع سياسي وعسكري طويل استمر 3 قرون- أن تتخلّص من منافسة تلك القوى الأوروبية، ولم يعنِ ذلك نهاية المتاعب التي واجهت بريطانيا، فسرعان ما ظهر التغلغل الروسي واضحاً للعيان في القرن التاسع عشر، وبدأ يشكل تهديداً للمصالح البريطانية آنذاك.

وقد كان حلم روسيا القيصرية بتوجهاتها نحو «المياه الدافئة»، والذي ظلّ ملازماً لها، واتخذت كل الطرق في سبيل تحقيقه.

والقارئ في تاريخ العلاقات الدولية في القرن التاسع عشر وما بعده، كان يلمس تردد العبارة التالية، في معظم الكتب والدراسات المعنية بالسياسة الخارجية الروسية -قيصرية أو سوفيتية- والتي تؤكد أن «روسيا تسعى إلى المياه الدافئة»، وهذا ما شكّل أحد أسبابها في الوصول نحو الخليج العربي عبر الأراضي الفارسية، وظل هدفها الوصول إلى ميناء تطل خلاله على مياه الخليج العربي، والذي يتقاطع مع وجود الدولة العثمانية وفارس، إذ كانت معهم على خلاف كبير.

ورغم ذلك، كانت بريطانيا تعمل على الحد من هذا التغلغل، واتخاذ إجراءات مضادة من شأنها إضعاف النفوذ الروسي، والعمل على منع هذا التوسع، إلا أن النشاط الروسي مع الكويت كان متاحا، إذ كانت الجهات الرسمية البريطانية لا ترى ضرورة لفرض حمايتها على الكويت، بناءً على طلب الشيخ مبارك الصباح، وهذا أعطى الروس الحق في بناء اتصالات ومراسلات مع الكويت ومن هم في حماها، وفي تلك الأثناء كان الإمام عبدالرحمن ونجله الملك عبدالعزيز في الكويت، بعد خروجهما من نجد في أعقاب نهاية الدولة السعودية الثانية 1891.

الحكم السعودي سيعود لحكم شبه الجزيرة العربية إذن، لذلك قرر الروس استغلال الفرص، ومحاولة كسب الإمام عبدالرحمن، وتوقيع معاهدات معه، وإعطائه وعودا بمساعدته ودعمه بالعودة إلى نجد، مما يعطيهم الحق بالتغلغل في شبه الجزيرة العربية، ومنافسة البريطانيين هناك، وتحقيق هدفهم الرئيس، إلا أن فطنة الإمام عبدالرحمن السياسية جعلته يرفض تلك العروض، لعلمه أن دخوله في صراعات التنافس الأوروبي بمنطقة الخليج العربي، لن يحقق له الهدف في عودته إلى نجد، وأن المنافس الأول للروس -البريطانيون- مسيطرون على شبه الجزيرة العربية، وفي حال تم بين الإمام عبدالرحمن والروس أي نوع من المعاهدات، لن يهدأ للبريطانيين بالٌ حتى يفسدوا تلك المخططات، لذلك اختصر على نفسه الوقت، واستغنى عن تلك العروض ورفضها.

وعلى الرغم من ذلك الرفض، إلا أن الروس بقيت أنظارهم تجاه شبه الجزيرة العربية، على أمل بناء علاقات دبلوماسية مع حكامها وحكام الخليج العربي، حتى أعلنوا اعترافهم كأول دولة أجنبية بالمملكة العربية السعودية عام 1926، قبل إعلان توحيدها وقيامها كدولة وليدة في وسط شبه الجزيرة العربية.

وجاءت الزيارة الأخيرة للرئيس فلاديمير بوتين بحجم هذا العمق التاريخي بين موسكو والرياض، واستكمالا للعلاقات التاريخية بين البلدين، في مختلف مجالاتها العسكرية والاقتصادية والعلمية والثقافية، وغيرها.