تحمل بيروت العاصمة اللبنانية الحكايات والقصة الكاملة لتواجد القوات الأميركية في الشرق الأوسط، حينما فوجئت شواطئ بيروت الوديعة في أمسية حالمة في منتصف يوليو 1958، بهجوم مباغت لـ1700 من قوات البحرية الأميركية، كانوا مستعدين للقتال، ومسلحين ومدعومين بما يصل إلى 70 سفينة حربية في البحر الأبيض المتوسط، ويقول موقع brookings إن التضاريس التي واجهها القوات الأميركية في شواطئ بيروت كانت بالكاد أن تكون ساحة حرب، فالمتشمسون اللبانيون والأجانب تجمعوا كي يتغطوا، والبائعون اللبنانيون ظهروا بشكل سريع بسيارات مملوئة بالسجائر والمشروبات الباردة والشطائر للجنود الأميركيين.

شكل الاجتياح المفاجئ أول عملية حرب على الإطلاق لأميركا في الشرق الأوسط، لقد تواجدت القوات الأميركية في الشرق الأوسط منذ الحرب العالمية الثانية، ولكن ليست في مهمة حرب، لقد قامت أميركا ببناء قاعدة جوية في السعودية، مثلا، ولكن لم يتم استخدامها مطلقا من أجل الحرب.

بيروت في 1958 شكلت نقطة تحول حاسمة، ولكن لا أحد فيها ولا في واشنطن اعتقد بأن هذه المهمة ستُمثل بداية لعشرات السنوات، من مهام القتال الأميركية اللامنتهية في الشرق الأوسط.

اتهامات لأميركا

كانت لبنان وسط حرب أهلية متسببة في تأليب المجتمعات المسيحية والمسلمة ضد بعضها البعض، إذ رأى المسلمون القوات البحرية كأعداء ينوون العزم على إبقاء الرئيس كميل شمعون في الرئاسة ضد القانون، في الوقت الذي اعتبر الجيش اللبناني الذي يتشكل من تحالف ضعيف من المسيحيين والمسلمين، القوات الأميركية عدوان غير مرحب به في انتهاك السيادة اللبنانية، غير أن القيادة الأميركية كانت مستعدة لاستخدام الأسلحة النووية من القاعدة في ألمانيا.

في واشنطن، الرئيس دوايت أيزنهاور بطل إنزال النورماندي 1944، خاطب الدولة قبل سنة واحدة، لقد أعلن أيزنهاور عما أصبح معروفا بدستور أيزنهاور، ذكر فيه بأن لدى أميركا مصالح مهمة جدا في الشرق الأوسط، وستدافع عنها بالقوة متى ما تطلب ذلك، وبدأ الرئيس بمناقشة السبب المباشر لإرسال القوات البحرية "انقلاب في بغداد في 14 يوليو، الملك فيصل الثاني الموالي لأميركا قد تم قتله بوحشية في الانقلاب، وحكومته انجرفت بعيدا، في الأردن، متحدة مع العراق آنذاك"، قال آيزنهاور "مؤامرة منظمة باحترافية للإطاحة بالحكومة الشرعية" الخاصة بالملك حسين قد تم فصلها، بالفعل قامت وكالة المخابرات المركزية بتدبير المؤامرة قبل ذلك بعدة أسابيع.

نفوذ عبدالناصر

آيزونهاور بعدها لجأ إلى لبنان، وقال إن الرئيس شمعون قد طلب من الجيش الأميركي التدخل لإيقاف "الصراع المدني الذي أثاره البث السوفيتي والقاهرة"، لقد كانت المرة الوحيدة في الخطاب الذي حتى آيزونهاور لمّح إلى ما كان يقلقه ذلك اليوم: ازدياد القوة السياسية في العالم العربي للرئيس الشاب المحبوب المصري جمال عبد الناصر وحركته الوطنية العربية، ويقول الباحث بروس ريدال على موقع brookings: إن الرئيس تحدث بعبارات الحرب الباردة الحارة، وهو أن لبنان كانت معرضة لخطر الاتحاد السوفيتي، تماما كما قام السوفيت بالاستحواذ على تشيكوسلوفاكيا والصين، فقد قامت كذلك بتهديد لبنان، وأن على الولايات المتحدة أن تتصرف للدفاع عن لبنان، غير أن آيزونهاور لم يذكر أي شيء بخصوص حقيقة أن شمعون كان يسعى للحصول على فترة رئاسية ثانية بشكل غير قانوني، إذ كان التركيز جملة على روسيا والحرب الباردة.

وجهة النظر من مصر

جمال عبد الناصر كان حينها يزور الحكومة الشيوعية في يوغوسلافيا، ولكنه في غضون ساعات من خطاب أيزونهاور، سافر إلى موسكو ومعه مستضيفه نيكيتا خروتشوف، ووافقا على أنهما لم يحظيا بأي تحذير من الانقلاب في بغداد أو عرفا أي شيء عن مخططي الانقلاب، كليهما وافقا على أن الانقلاب العراقي، كان تطور أكثر أهمية في الشرق الأوسط، وأن التدخل الأميركي في لبنان كان مجرد حدث ثانوي.

في صيف 1958، كان عبدالناصر في ذروة مهنته وسلطته السياسية، وبرز بشكل مبكر كخصم لسادة الاستعمار البريطاني لمصر، وانضم إلى الجيش وحارب ببطولة في حرب 1948 ضد إسرائيل، كان العقل المدبر لانقلاب 1952، الذي طرد النظام الملكي، وأنشأ أول حكومة بقيادة المصريين منذ ألفي سنة.

عروبية عبدالناصر

وتفاجأ البريطانيون بالكامل بالانقلاب في مصر، ولكن وكالة المخابرات المركزية انتقلت بشكل سريع، وبدأت التواصل مع عبدالناصر، وكان الرجل المعين للمخابرات كيرميت روزفلت، قد زار القاهرة قبل الانقلاب وجهز التواصل مع الضباط الأحرار الذين سيوقومون بتنفيذه، وعاد في أكتوبر 1952 إلى القاهرة كرئيس قسم الشرق في المخابرات المركزية، واجتمع بعبدالناصر واتفقا على العلاقة السرية.

تنصيب آيزونهاور

بعد أن تم تنصيب آيزونهاور في يناير 1953، حصلت وكالة المخابرات المركزية على قيادة جديدة، وهو ألين دالاس أخ، وزير الخارجية الخاص بأيزونهاور جون فوستر دالاس، فيما قام رزوفيليت بقيادة عملية وكالة المخابرات المركزية، التي أطاحت بالحكومة المنتخبة ديموقراطيا، وأعادت الشيعة إلى عرشه في 1953، مما جعله مباشرة صديقا لكُل من دالاس وأيزونهاور.

تشجيع التنازل

قام وزير الخارجية بزيارة مصر في مايو 1953، وكان منبهرا بعبدالناصر، ووافقت واشنطن على تشجيع البريطانيين على التنازل عن قاعدة قناة السويس، رغم أن رئيس الوزراء البريطاني كان مترددا في البداية، ولكن ديون المملكة المتحدة الضخمة من الحروب العالمية أجبرته على عقد صفقة ووافق الجيش البريطاني على مغادرة مصر في 1954، ولكن بمرور الوقت، بدأت العلاقة بين واشنطن والقاهرة تبرد بسرعة، بعد أن اتخذ عبدالناصر خطوة حازمة، عندما رتب لعملية شراء أسلحة ضخمة من الدولة العميلة للاتحاد السوفيتي تشيكوسلوفاكيا في 1955، وكان ذلك بمثابة تحذير للبريطانيين والفرنسيين، الذين اعتبروا نفوذ عبدالناصر ومكانته المتنامية مصدر خطر على مستعمراتهم المتبقة، وكذلك محمياتهم في المنطقة مثل عدن والجزائر والأردن والعراق وإيران، فيما شعرت إسرائيل بأنها مهددة بشكل مباشر.

أداة شريرة لموسكو

بحلول سنة 1958، وأثناء تدخل الولايات المتحدة في لبنان، تطورت الصورة الأميركية لعبدالناصر من محارب الحرية الشجاع إلى أداة شريرة لموسكو، ومصدر خطر على المصالح الأميركية والغربية في كامل المنطقة والعالم الثالث.

وشكل انقلاب 14 يوليو في بغداد صدمة بالكامل، وتم جدولة جسر من القوات كي تعبر العاصمة إلى الأردن لمساعدة الملك حسين من الخطر، الذي يشكله عبدالناصر، ولكن بدلا من ذلك، دخلت العاصمة وانقلبت على النظام الملكي، وأحاط المتمردون بالقصر الملكي، وعندما كان محاصرا، تم إطلاق النار على الملك والحاكم حتى الموت.

جاء الانقلاب كفاجعة قذرة بالنسبة لملك الأردن حسين، بعد أن تم قتل أفراد أسرته بطريقة وحشية، إذ كان سابقا ملك جمهورية العراق والأردن، بعد الإعلان عن الجمهورية العربية المتحدة لسورية ومصر، وقد فكر حسين في البداية بإرسال القوات إلى بغداد من أجل قلب الأوضاع، ولكن أصبح من الواضح أن الانقلاب قد أثار الدعم العام ودعم الجيش بالكامل.

رؤية واشنطن

أثار خبر انقلاب العراق أيزونهاور ودفعه ذلك إلى عقد اجتماع طارئ لمدراء المجلس الأمني الوطني، لبحث التداعيات الإقليمية للانقلاب، ولخص الرئيس الاجتماع بقوله إنه كان واضحا في باله "أنه يجب علينا أن نتصرف أو نخرج من الشرق الأوسط بالكامل".

ولكن البيت الأبيض أمر البنتاجون بإرسال القوات البحرية على ساحل بيروت في اليوم التالي، في عملية عرفت "عملية الخفاش الأزرق"، فيما قررت الحكومة البريطانية إرسال قوات المظلات إلى عمّان كي تساعد في تثبيت بقايا المملكة الهاشمية، التي لا تزال ذات سلطة هناك.

كان أيزونهاور محظوظا في النهاية، وجد دبلوماسيوه وضباطه في بيروت طريقة دبلوماسية، لتجنب الصراع وتجنب ما هو أسوأ، إذ لم يتم شحن الأسلحة النووية مطلقا من ألمانيا إلى البحر الأبيض المتوسط، بل وبعد فترة من المفاوضات السياسية، تم الضغط على شمعون بأن يتنحى كرئيس، لتنتهي الحرب الأهلية.

لماذا ساءت العلاقة بين أيزونهاور وعبدالناصر

- رغبة عبدالناصر في شراء أسلحة من محور الاتحاد السوفيتي

- تخوف البريطانيين والفرنسيين من تنامي نفوذ عبدالناصر.

- طموح عبدالناصر القومي وعداءه للمستعمرين

- شعور إسرائيل بتهديد مباشر للدعوة القومية للرئيس المصري