يقول أبو فراس الحمداني، الشاعر العباسي المعروف: «الشِعرُ ديوانُ العَرَب * أَبَداً وَعُنوانُ الأَدَب»، ولعل هذا البيت يلخص بوضوح قيمة الشعر، وأنه خلاصة صافية للتجارب البشرية، ومصدر لتوثيق المعارف المتنوعة، ومن هنا استوحى النقاد صدر بيت أبي فراس «الشعر ديوان العرب» للدلالة على القيمة المعرفية للشعر العربي، وأنه مادة تاريخهم، وسجل حياتهم، وفيه العبرة، والتوثيق بين الماضي والحاضر، بل والمستقبل..

التفاعل مع الشعر العربي مستمر، وجاء هذه المرة بطريقة مميزة، عبر إطلاق صاحب السمو الملكي الأمير خالد الفيصل مستشار خادم الحرمين الشريفين، أمير منطقة مكة المكرمة، من خلال جامعة الطائف، ممثلة في أكاديمية الشعر العربي، جائزة سعودية، ذات وجهة عربية عالمية، هي جائزة الأمير عبدالله الفيصل العالمية للشعر العربي، التي تستهدف «تقدير المبدعين والمبدعات العرب المتميزين في مجال الشعر العربي الفصيح؛ الأصيل بِـنيةً المتجدد فكراً ورؤية»..

فاز بالجائزة شعراء أفذاذ، من السودان، ومصر، والعراق، تم تكريمهم، مع رموز آخرين، مساء الأربعاء الماضي، في حفل بهي، عاش فيه الحضور ذكريات ثقافية رائعة، مع سيرة صاحب الجائزة، الراحل الكبير، صاحب السمو الملكي الأمير عبدالله الفيصل، أحد أبرز رواد الشعر في الوطن العربي، رحمه الله؛ ولعل من أبرز مكاسب الحفل التعرف عن قرب على (أكاديمية الشعر العربي)، التي يرأس مجلس أمنائها الأمير خالد الفيصل، وأنها مؤسسة متخصصة في تنمية الشعر العربي، تعمل على دعم ونشر دراساته التاريخية والمعاصرة، وتأهيل وتطوير قدرات المواهب الشعرية والنقدية، ودعم وتشجيع الشعراء والنقاد، وتكريم المبرزين والمتميزين، وعقد المؤتمرات والمنتديات والندوات والمحاضرات، وإصدار التقارير السنوية عن الحالة الراهنة للشعر، كان أولها التقرير الذي دشنه سموه يوم الحفل، وسيتاح إلكترونيا هذا اليوم..

تمنيت الاستماع للفائزين خلال التكريم، وعدت للبحث عن أبرز نظمهم، فوجدت الكثير مما يستحق النشر، ولعلي أتوقف هنا عند بعض روائع كل فائز، وأبدأ بالشاعر الشاب محمد عبدالباري، الذي يقول في قصيدته (الدخول إلى البردة): «يا أبا الزهراءِ.. ذكراك معي.. لم تفارقني رحيلاً ومُقاما * كنتَ في أغنيةٍ تحرسُ مهدي.. وحليبٍ لم أردْ منه الفطاما»، ويقول الشاعر فوزي خضر: «الليل يسألني فالضيق والفرجُ * والصمت يسألني عني فأختلجُ.. ظمآن بيني وبين القرب هاوية * ترتجُّ فيها الدموع البكم والحرج»، وأختم بالشاعر كريم عودة وغرته: «لا تَشْكُ للناس جُرْحًا أَنْتَ صَاحِبُهُ * لا يُؤْلِمُ الجَرْحُ إلا مَن بِهِ ألَمُ.. شَكْوَاكَ لِلنَّاسِ يا ابنَ النَّاس منْقصَةٌ * ومَن مِنَ النَّاسِ صَاحِ مَا بِهِ سَقَمُ»؛ متمنيا لهم المزيد من الإبداع، وللجائزة المزيد من التقدم، مؤملا أن يجعلها راعيها سمو الأمير خالد محافظة على نهجها الذي خطه لها، وأقصد صيانة الذائقة الشعرية العربية، واللغة الأصيلة، من أن تلوثها المفردات المستوردة، والركاكة المستهجنة.