إذا أراد الشعب اللبناني الحياة فلا بد أن ينعتق من نير المحاصصات الطائفية، لا بد له أن يدفن تلك الحقبة المقيتة التي أفرزتها الحرب الأهلية سيئة الذكر.

اليوم الشعب اللبناني بأطيافه أمام فرصة، ولا أقول «منعطفا» تاريخيا لتحقيق التحول الديمقراطي السلمي من عصر الظلام والعبودية، وتقديس زعامات لم تستطع فعل شيء للبنان وللبنانيين عبر سنين حكمها الممتدة منذ 1989، والتي بالمناسبة تحل ذكراها بعد أسابيع قليلة. لم تستطع تلك الفئة المتسلطة على لبنان وأهله تقديم أي إنجاز حضاري أو علمي، حتى في موضوع «القمامة» فشلت لاعتبارات المحاصصة أو الخلاف على تقاسم المنافع «الفساد»، وما زلت أذكر تلك الفترة التي عشت فيها في لبنان في تسعينات القرن الماضي، وعايشت الخلافات على إعمار وسط بيروت من خلال إعادة تفعيل مجلس الإنماء والإعمار في عام 1991. الهيئة الرئيسية لإعادة الإعمار، والحصول على التمويل من الممولين الدوليين ومن الحكومة اللبنانية وما رافقها من تجاذبات وتخبط وخلافات، وما زلت أذكر تلك الخلافات حول شركة الاتصالات «الخليوية» في تلك الحقبة نفسها، الاتصالات التي لم تحل مشكلتها حتى اليوم، وقد غادرت بيروت إلى سورية والأردن، وأقمت في مصر سنين والآن في ألمانيا، ولم تنته مشكلة اتصالات لبنان، وها هي تتحول لجذوة ثورة شعبية، والسبب فرض ضرائب على اتصالات الإنترنت، المشكلة ما زالت قائمة منذ تسعينات القرن الماضي، ولم ولن تحل طالما أن القائمين على حكم لبنان لا يعنيهم حل مشاكل المواطن، بل كل همهم ترسيخ سلطتهم القبلية وتوريث أبنائهم السلطة ليصبحوا أسيادا على اللبنانيين الذين ولدتهم أمهاتهم أحرارا.

بمناسبة الحديث عن اتفاق الطائف هل استطاعت حكومات لبنان المتعاقبة تنفيذ البند الأول من المبادئ العامة التي جاء فيها: أ- لبنان وطن سيد حر مستقل، وطن نهائي لجميع أبنائه، واحد -أرضا وشعبا ومؤسسات- في حدوده المنصوص عليها في الدستور اللبناني والمعترف بها دوليا. هل حقا لبنان حر سيد كما نرجو ويرجو معنا جميع اللبنانيين، وهل حقا لبنان وطن لكل اللبنانيين؟

هل بحقّ للام اللبنانية المقترنة برجل أجنبي نقل جنسيتها لأولادها، أليس مبدأ المساواة بين كل اللبنانيين، نساء ورجالا، من خلال مبدأ منصوص عنه في الدستور اللبناني في المادة السابعة من الفقرة ج في مقدمة الدستور، والتي تنص على موضوع المساواة من دون الإشارة إلى أي عنصر من عناصر التمييز المبني على أساس الجنس بين المرأة والرجل، أليس هذا ضمن «اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة» والتي صادقت عليها الدولة اللبنانية سنة 2008 بموجب القانون رقم 1، وتعهدت من خلالها بموجب أحكام المادة 2 من هذه الاتفاقية بتعديل وإلغاء القوانين والأنظمة المعمول بها في لبنان، والتي تشكل تمييزا ضد المرأة. تعرفون لماذا بسبب النظام الطائفي والمحاصصة الطائفية حتى في تقسيم الهواء على لبنانيين، ولأن دستور لبنان الفقرة «ج» من مقدمته تحظر التوطين بصورة قاطعة، وتعتبر أن خطره مواز لخطر التقسيم والتجزئة، إن لم يتم التخلص من النظام الطائفي وتوزيع المناصب على أولاد الزعماء أولا ثم على حاشيتهم الضيقة ثانيا، ومن ثم على التابعين وتابعي التابعين ثالثا ورابعا، إن لم يتم دفن هذا البلاء لن تقوم للبنان قائمة مهما قيل ومهما زعم من يعتقدون أنفسهم زعماء، وما هم إلا رجال أعمال للمتحكم الخارجي يديرهم كيف يشاء. ونعود للبنان الحر السيد، هل استطاع اللبنانيون اختيار رئيسهم بإرادة حرة منفردة؟.

أيها الشعب هذه فرصتكم لتغير مصيركم بأيديكم، والتغيير يبدأ من إلغاء النظام الطائفي والأحزاب الطائفية وتوزيع الوظائف حسب الانتماء الطائفي إن لم يتم إنجاز هذا لن تحققوا شيئا، أيها اللبنانيون مصيركم ومصير أبنائكم وأحفادكم مرتبط بقراركم، إما الاستمرار بالتغيير والتحول الديمقراطي، أو تجرع المسكنات الموضعية التي ستطرح عليكم من قبل زعماء الطوائف الذين لم يرتقوا إلى مستوى «ملوك الطوائف».