ما إن تأتي بك الأقدار يوما وتجد على Twitter حسابا لإحدى المدارس القريبة منك، حتى تجد هذا الحساب وقد أصبح مليئا بمقاطع الفيديو والصور تحت العناوين التالية: «تعلم أبطالنا الأطفال حرف الألف بجهودٍ متفانية وعملٍ مخلص من قِبل الأستاذة القديرة فلانة بنت فلان». «إتقان مهارة حمل النفايات إلى مكانها المخصص بعد خضوع أبطالنا الأطفال لتدريب عال، ومراقبته بتقنية تصوير»VAR«للتأكد من وصول بقايا الساندوتش إلى حدود سلة المهملات، دون أي تفجيرات أو مخلات بالأمن». «بجهود مخلصة وتفان بلا حدود، يقوم الأستاذ الخطير، والمدرب العالمي في طريقة مغادرة الطلاب للفصول، بنقل خبراته إلى طلابه، ويظهر أحد الطلاب بعد إتقانه هذه المهارة التي لا يعرفها كثيرون». وإن كنت تعتقد أن ما ورد أعلاه مبالغات، فكل ما عليك هو أن تطلب من ابنك أو قريبك الطالب، أن يزوّدك بحساب مدرسته على «تويتر»، لتأخذ درسا مكثفا في طريقة البهرجة الإعلامية، ولن تبحث طويلا لتجد حسابات المدارس المجاورة الأخرى على مواقع التواصل الاجتماعي. فالعملية أصبحت تشاركية، على قدر ما تعطيني «لايك وريتويت» على إنجازاتي العظيمة هذه، بقدر ما أرجعها لك حتى ولو وضعت صورة للدب القطبي وكتبت تحتها من مواليد الربع الخالي. صحيح أن وزارة التعليم دعّمت هذه الفكرة، لأنها تعتقد أن لها دورا في زيادة التنافسية، وتنمية الجوانب التفكيرية والابداعية لدى كل من الطالب والمعلم، ولكن المشكلة أنها لم تقننها أو تضع لها ضوابط، أو دليل جزاءات ومكافآت، بل تركت الحبل على الغارب، لتكون ممارسات المسؤولين عن المحتوى الإعلامي في هذه المدارس، مشهدا مختصرا لطريقة تعليم النشء منذ طفولته على كيفية احتراف البهرجة الإعلامية، بإبراز بعض الجوانب في العملية التعليمية الروتينية اليومية وكأنها اختراع وفتح عظيم على الإنسانية، رغم أن جدة هذا الطفل عملت بهذا الاختراع منذ طفولتها، ولم يعرف عنها أحد أي شيء، ومع ذلك قد تجدها منتجة في المجتمع أكثر من حفيدها الذي يعتقد أن أيّا من تفاصيل حياته لن يستفيد منها ما لم يوثّقها ويرفعها على سحابة جوجل. نظرة للسماء: لن يتعلم الأطفال مراعاة الضمير من عدسة الجوال، ما لم يروا ذلك على معلميهم ومربيهم، عمليّا وليس نظريّا، لأنه لا يستوي الظل والعود أعوج