(1)

كتب مرة محمد الرطيان: (كلما قل عدد الذين يعرفونك ازدادت حريتك، الذين لا يعرفهم أحد، ولا يُنتظر منهم أي شيء هم الأكثر حرية في هذا العالم، ‏الناس قيود). وليسمح لي الجميل جدا محمد. بأن أستعير منه هذه الفكرة وأعيدها بشكل آخر، متطور ومتجانس مع ما يحدث حاليا في حياتنا، لأقول: كلما قلّ عدد حساباتك على مواقع التواصل الاجتماعي ‏ازدادت حريتك، الذين لا يملكون معرفات، ولا يُنتظر منهم تغريدات أو سنابات هم الأكثر حرية وسعادة في هذا العالم، حساباتك هي قيود.

(2)

‏لي فترة طويلة وفكرة مغادرة وسائل التواصل الاجتماعي تزورني وتغادرني، أتصارع معها لفترة، فلا تغلبني ولا أغلبها. وكلما زادت الهجمات طاولتُ أكثر في الاستسلام. معركة متكافئة حتى وإن استمرت شهورا طويلة. الصراع الداخلي مع هذه الفكرة تضخم وتضخم. حتى أصبحت فكرة الانسحاب مثل وحشٍ أهوج يعيش في عقلي، ومع ذلك طاولتها وتطاولت معها، ولكن العبرة كما يقال دائما (في النهايات).

في المعارك الأولى، ‏اتخذت إستراتيجية المناورة والهروب بشكل مؤقت. وقد استطعت بهذه الإستراتيجية أن أروض هذا الوحش وأطمئنه. كنت أعتمد على ترويضه بإشغاله بالانسحاب أمام عينيه حتى يهدأ، ثم أرجع عليه، وبكل قوتي أتوالى بضربه بتغريدات طويلة ومؤلمة. لم يعرف في البداية كيف يتعامل مع هذه الطريقة، مما أعطاني القدرة على اكتساب أماكن وأراضٍ ومساحات واسعة، ولكنه ككل وحشٍ آخر، بمجرد أن استوعبها، حتى أصبح قادرا على تفاديها، ولم تعد تلك الطريقة تجدي معه شيئا.

وجدت من الضرورة أن أعقد معه فترة للهدنة، علّني أجد طريقة للتخلص منه بأسرع ما يمكن، حيث إن الحرب الطويلة أنهكتني وقوضت أركاني. وعلى حين غرة، وأنا غارق في شؤوني الخاصة، إذا به يغدر بي ويهاجمني بكل ما استطاع من قوة، وبكل ما تعلمه من تكتيكات وإستراتيجيات على طول الفترة الماضية. والأهم من هذا وذاك، أنه سدّ عليّ كل ثغرة حاولت أن أحتمي بها من هجومه الذي ملأ الأفق. ولم أعد أستطع منه الانفكاك، أجبرني على الخروج مهزوما ليس من تويتر فحسب، بل من غالبية مواقع التواصل الاجتماعي، سناب شات وفيسبوك وغيرها، ومع انتصاراته المدوية عليّ، إلا أنه لم يكتف بذلك، بل أجبرني على انسحاب سريع وبدون أية شروط من العديد من مجموعات واتساب التي أعتبرها ضرورة عمل وحياة قبل وبعد كل شيء.

(3)

قضيت خارج تويتر أكثر من نصف شهر، نعمت فيها بالاستقرار والسلام، ونعمت بالوقت الطويل الذي استثمرته في قراءة حوالي أربعة كتب، ومشاهدة العديد من الأفلام والوثائقيات. وجدت في هذه الفترة القصيرة أن الحياة بعيدا عن حساباتك تشعرك بالهدوء والطمأنينة، وتمنحك القدرة على أن تتلمس أمكنة السلام الداخلية في خبايا روحك الملتهبة.

(4)

كانت هزيمة مدوية بكل ما تحمله الكلمة من معنى، وقد صبّرت النفس حينها بتلك الحكمة التي تقول: (ليس كل ما يستغنى عنه خسارة، فبعض الأمور الاستغناء عنها بداية لحياة أفضل)، ولكن بعد تأمل وجدت أن الكاتب لا بد له من معايشة الناس ومخالطتهم والاطلاع على احتياجاتهم ومن ثم التعبير عنها. ولو اكتفى من المعصم بسوارته. ولذلك عدت لتويتر فقط. ومن يدري، فالحرب لم تنته بعد.