في الوقت الذي يواجه فيه العالم أشد التحديات وأقواها من أجل سعادة الإنسان ورفع المعاناة عنه، وتعزيز قيم السلام في حياة المجتمعات من خلال توحيد الصف نحو كل قِيمة إنسانية مشتركة بين بني البشر، نجد مجموعة من علماء المسلمين تحاول الانغلاق حول نفسها، وتضع سُورا منيعا حول حِصْنها وتنفرد في حقها المُطلق نحو فهم النصوص الدينية وفق منهجها وفهمها المحدود، وتصنف كل من يخرج عن دائرة سيطرتها أنه خارج عن الإسلام الصحيح، أو أنه مبتدع فيه.

ها هي اليونيسكو منذ نشأتها في نوفمبر 1945 عملت على تهيئة الظروف الملائمة للحوار بين الحضارات والثقافات والشعوب، على أساس احترام القيم المشتركة لتحقيق الرؤى العالمية للتنمية المُستدامة، والتي تشمل احترام حقوق الإنسان والتخفيف من حدة الفقر ونشر التعليم، وهي قِيم دعا إليها القرآن الكريم وتمثلت في هدي نبيه محمد -صلى الله عليه وسلم- سلوكا ومنهجا في كل قضايا الإنسان الصالحة لكل زمان ومكان.

وعندما يأتي الحديث عن الاحتفال بذكرى المولد النبوي في الثاني عشر من ربيع الأول، تشتعل النقاشات بين بعض علماء الأمة على اختلاف مذاهبها حول بدعة الاحتفال بالمولد النبوي، وأنه لم يرد في الدين ولم يحتفل به صلى الله عليه وسلم في حياته، وأن الصحابة من بعده لم يحتفلوا بمولده، ويتحول النقاش إلى شكلية الاحتفال ومقارنته بأعياد الميلاد العامة للناس، أو لبعض الديانات وأنبيائها، وما فيها من ممارسات قد تكون خاطئة أو غير لائقة، وقد أدت هذه المقارنة السطحية إلى تصنيف المناسبة بدعة دينية لا يجوز الاحتفال بها. وتخصص اليونيسكو لبرامجها أياما محددة يتم الاحتفال بها عالميا لمجموعة من المناسبات والقضايا والاهتمامات العالمية والإنسانية، من أجل الارتقاء والنهوض بها نحو أفضل الممارسات، والعمل على تأكيد أهميتها والتحفيز نحو العناية بها أو القضاء على مشكلتها أو تحسين دورها، وجميع هذه المناسبات في مجملها نادى بها القرآن الكريم، وأكد عليها الهدي النبوي في الممارسة والسلوك، فالأحرى بنا كمسلمين أن نفتخر بيوم ميلاد نبي الإسلام، وأن تكون الاحتفالات بالمولد النبوي قائمة على استلهام النموذج والقدوة في حياة المسلمين والناس، وأن تكون فعاليات الاحتفال بالمولد النبوي عالمية الطرح والأداء، قائمة على تقديم الشخصية المُلهمة التي تجسدت فيها الخصال الطيبة والأخلاق الحسنة، وأن يكون لنا في كل ذكرى للمولد النبوي شعار إنساني نسعى للوصول إليه، ويكون هذا الشعار منارة يقوم الخطباء والدعاة والمعلمون والمجتمع، بتأكيده وطرح الوسائل الممكنة لتحصيله.

لقد عاش العالم والشرق الأوسط خاصة منذ الثمانينات من القرن الماضي أحداثا وعنفا وحروبا أهلية وإقليمية، وأعمالا إرهابية مروعة في العالم الإسلامي وخارجه، وشاركت فيها العديد من المجموعات الإسلامية المتطرفة والمتشددة. شوهت الإسلام والمسلمين، وأصبح العالم ينظر إلى الإسلام ونبيه نظرة عدائية وبكراهية، وزاد على ذلك وصف المسلمين عبر العالم، سواء كانوا مهاجرين أو مستوطنين أو مواطنين، بأنهم يتحينون الفرصة للإخلال بالأمن أو القيام بالأعمال الإرهابية.

جميع المناسبات والأيام التوعوية التي تنفذها اليونيسكو في العالم هي قيم فطرية إنسانية جسدها النبي محمد عليه السلام، في سلوكه، وحرص عليها في دعوته وتمثلت خُلقا عظيما في شخصيته، فأخذتها اليونيسكو مضمونا ومنهجا تدعو إليه في احتفالاتها باسم الحرية والمساواة والعدالة والتنمية المستدامة، ورفض المتشددون بسطحية تفكيرهم وقلة وعيهم أن يكون لنبي الرحمة يوم يتم الاحتفال فيه بذكرى ميلاده، وإعلاء مضمون قيم دعوته وأخلاقه، لأن الاحتفال بالمولد النبوي في قياساتهم بدعة لا يجوز الرجوع عنها.