في بداية القرن الـ19 الميلادي، وضع العالم الإنجليزي جون دالتون نظريته الذرية، التي افترض فيها أن المواد مكونة من أجزاء متناهية الصغر وغير قابلة للانقسام، تُسمى ذرات.

أراد العالم وليام كروكس اختبار تلك الفرضية، فاخترع أنبوبا للتفريغ الكهربائي، يحمل اسمه «أنبوب كروكس»- يعد الآن مكونا أساسيا لجهاز التلفاز- لاحظ كروكس وجود سيل من الأشعة الغامضة -سميت أشعة المهبط- التي تسبب وميضا داخل الأنبوب، ولم يجد لها تفسيرا.

أثارت تجارب كروكس المجتمع العلمي، فقام علماء بدراسة أشعة المهبط، منهم الألماني فيلهلم رونتجن. وبينما كان رونتجن يجري تجاربه على أنبوب كروكس في 8 نوفمبر 1895، لاحظ وجود وميض خارج الأنبوب في مكان لا يفترض أن تصل إليه تلك الأشعة، مما يعني أنها نوع مختلف من الأشعة، ولأنها مجهولة أطلق عليها اسم «x» أو الأشعة السينية، وأخذ أول صورة لجسد إنسان بالأشعة السينية ليد زوجته، والتي قالت لما رأت صورة عظامها «لقد رأيت موتي»، استخدمت بعد ذلك الأشعة السينية على نطاق واسع في المجال الطبي، ومُنح رونتجن بذلك أول جائزة لنوبل في الفيزياء عام 1901.

في باريس، شدّت الأشعة السينية العالم هنري بيكريل، فقام بدراسة العلاقة بين تلك الأشعة والوميض الذي يصدر عن مادة اليورانيوم، فقادته تجاربه إلى اكتشاف النشاط الإشعاعي، وأن المواد تُصدر أشعة مختلفة عن الأشعة السينية.

على إثر هذا الاكتشاف، بدأ النيوزيلندي ارنست رذرفورد بدراسة تلك الأشعة الجديدة، واكتشف أنها جسيمات مشحونة تسمى «ألفا وبيتا»، واستخدمها لاختبار فرضية أستاذه جوزيف طومسون، والتي تصف الذرة بأنها مثل كيكة الزبيب، بحيث تتوزع داخلها الشحنات الموجبة والسالبة.

توصل رذرفورد في تجربته الشهيرة التي قذف فيها شريحة رقيقة من الذهب بجسيمات ألفا، إلى أن معظم حجم الذرة فراغ، وأن الشحنة الموجبة للذرة تتركز في مساحة صغيرة جدا في منتصفها، سُميت بعد ذلك بـ«النواة»، وهي محاطة بسحابة من الإلكترونات التي تحوم حولها.

وكي تتخيل حجم الفراغ في الذرة، لو كانت الذرة في حجم إستاد الملك فهد، لكانت النواة كحبة بازيلاء في الملعب، ولو خلت الذرات من هذا الفراغ، لأصبح جميع البشر الذين يعيشون على الكوكب اليوم بحجم تفاحة واحدة.

كما اكتشف رذرفورد البروتون داخل النواة، وتنبّأ بوجود جسيم متعادل الشحنة مجاور له يسمى «النيوترون»، والذي اكتشفه تلميذه جيمس تشادويك لاحقا، ويطلق على ما بداخل النواة من بروتونات ونيوترونات «نويَّات»، ولو أن بعضهم يترجمها «نيوكليونات».

استدعى اكتشاف النيوترون الألماني أوتو هان ومساعده، إلى إجراء تجارب عليه، ولاحظا أن قذف نواة اليورانيوم بالنيوترونات، تنتج عنه ولادة عناصر أخفّ منه، ولم يعلموا لماذا، فأخبروا زميلتهم السابقة العالِمة ليز مايتنر التي فرّت من ألمانيا إلى السويد، خوفا من النازية بسبب أصولها اليهودية، التي بينت بأن تلك التجربة أثبتت إمكان شطر النواة، وتحرير كمّ هائل من الطاقة، يمكن حسابها باستخدام معادلة آينشتاين الشهيرة، وأخبرت بذلك ابن أختها، الذي كان يعمل مع العالم الكبير نيلز بور في الدنمارك، وفور علم بور بالخبر، طار إلى الولايات المتحدة، ليجتمع مع العالمين الإيطالي انريكو فيرمي أبو المفاعلات النووية، والمجري ليو زيلارد.

خشى زيلارد من أن يتمكن الألمان من صنع قنبلة ذرية، فكتب خطابا محذّرا فيه الرئيس الأميركي مما قد يتوصل إليه الألمان، و«توسط» بآينشتاين ذائع الصيت آنذاك، اقتنع الرئيس ووافق على البدء في برنامج لصنع القنبلة الذرية، فكان مشروع مانهاتن.

هذه النواة متناهية الصغر، وهائلة الطاقة، وما يخرج منها من إشعاعات، عمّت البشرية بمنافع لا حصر لها، من كهرباء وطب، وزراعة وصناعة وفضاء، فبها أمكن تصوير أعضاء الجسم الداخلية نوويا، وعلاج مرضى بعض أنواع السرطان إشعاعيا، وحماية المحاصيل الزراعية، بمنع الحشرات الضارة من التكاثر، وقتل ما بها من بكتيريا، كما مكّنت العلماء من استكشاف الفضاء باستخدام البطاريات النووية.

في الوقت ذاته، يمكن لهذه النواة القضاء على البشرية قاطبة، لو استخدمت القنابل النووية الموجودة على الأرض حاليا، ومن الملاحظ ارتباط النواة وما بها من طاقة نووية لدى كثير من الناس بهذا الجانب البغيض منها، وقد يكون بداية استخدامها العسكري في هيروشيما وناجازاكي سبّب صدمة لا تزال آثارها باقية إلى اليوم.

النواة في ذاتها لا دخل لها بكل هذا، سخّرها الله لنا، مثلها مثل الحديد، فيها بأس شديد ومنافع للناس، فالبشر هم من يحددون في أي النقيضين تكون.

يحتفل العالم في مثل هذا اليوم -8 نوفمبر- من كل عام، باكتشاف رونتجن الأشعة السينية، والتي فتحت الباب لاكتشافات وعلوم أخرى، بدءا من العلوم النووية مرورا بعلوم المواد وانتهاءً بالفلك. فبدونها لم يكن بمقدور واطسون وكريك اكتشاف التركيب الحلزوني المزدوج للحمض النووي، ولا أمكن التعرف على البنية البلورية للمواد.

منحت أبحاث النواة جائزة نوبل لجميع العلماء الذين ذُكرت أسماؤهم في المقال، ما عدا ليو زيلارد، وليز مايتنر التي استُبعِدت من الجائزة لعدة أسباب، منها الوضع السياسي في ذلك الوقت، إذ كانت في فترة الحرب العالمية الثانية، ومنها التحيز العلمي، وتسرُّع لجنة نوبل، كما حلل بعض المختصين، ولكن المجتمع العلمي رد لها بعض الاعتبار في التسعينات الماضية، وتمت تسمية العنصر الكيميائي رقم 109 باسمها «المايتنريوم».