بدايةً عزيزي القارئ، إن كان بينك وبين ما ينتهي من المصطلحات بالـ«لوجيا» مشكلات، فأنصحك بمغادرة هذه السلسلة من المقالات، والتي تحمل هذا العنوان، لأنني قررت أن أدخل المنافسة في هذا العلم، بفتح عظيم بما يعرف بمصطلح «فزلكوجيا» وهو علم يعتمد على التوفيق بين الفزلكة والـ«لوجيا».

أما إذا دُمتَ مُصِرّا على إكمال القراءة، فإن الأنثروبولوجيا علمٌ يهتم بدراسة ومتابعة المتغيرات التي تطرأ على البيئة المحيطة بالإنسان نتيجة التأثير المتبادل بينهما، ومنها التأثير بفعل الإنسان للإنسان، كأن يتحول الإنسان من أن يكون باب بيته مفتوحا للضيوف وعابري السبيل، إلى قيامه بتشييد غرفة محكمة الإغلاق ليُؤمّن بها أسطوانات الغاز، لأنه سكن في قريتهم حرامي محتاج «فلوس للببجي» مثلا.

ولأننا لسنا بمحاضرة في الجامعة، فالأنثروبولوجيا علم مستقل، قد تحصل فيه على درجة البروفيسور نظرا لتشعباته وعمقه، ولكن لو طبقنا هذا العلم على ما مرّت به المملكة العربية السعودية في الأربعين سنة الماضية، فماذا نلاحظ؟.

دعونا -قبل ذلك- نتحدث عما كان يحدث قبل قرنين أو ثلاثة، عما يُعرف بالهاربين من حكم الكنيسة في أوروبا، وهم أناس تم سلب ما يملكون حتى حرياتهم ممن يحكمون الكنائس أو «دور العبادة» هناك، ورغم أننا نراهم مشركين هنا، إلا أنهم يرون أنفسهم المخلِّصين من النار، وموزعي صكوك الغفران على من سلبوا حياته بدافع نصرة المسيحية، وتوفير أرض طاهرة لتكون مهيئة لعودة المسيح.

المهم أن هؤلاء الهاربين هاجروا إلى أرض ما، واجتمعوا بها واتفقوا أن يعيشوا الحياة الدنيا بحرية، وأن يتركوا محاسبة الناس وتطهيرهم وإدخالهم الجنة أو النار لربهم الذي خلقهم.

ولكن لاعتقادهم بأن النفس البشرية ميّالة لحب التملك والسيطرة، وأنها توهم صاحبها أحيانا بأنها مختارة من الله لتقسّم الجنة والنار بين الناس، فقد فرضوا فيما بينهم شروطا واتفاقيات تم بها إنشاء السلطات الأربع، بما فيها من تشريعية وقضائية وتنفيذية وغيرها، لتطبق ما اتفقوا عليه وتمنع كلا منهم من فرض عقائده الشخصية على الآخرين.

وما كان من حكام الكنائس حينها إلا اتهام هؤلاء الهاربين بالإلحاد والإثم، والخروج عن طاعة الربّ، لأنهم خرجوا عن طاعة حكام الكنائس، وأن الربّ سيصب جامّ غضبه عليهم، إما في تلك الليلة التي هربوا فيها أو «بالكثير بالكثير» على ساعات الفجر الأولى التي تعقب تلك الليلة.

ولكن -وللأسف- أصبح هذا التجمع لهؤلاء المارقين «حسب وصف حكام الكنائس»، يُصنّف في يومنا هذا من أقوى الدول العظمى على مستوى العالم.

يتبع في المقال التالي.