في المقال السابق كان الحديث عن أوروبا وحكام الكنائس والهاربين للبحث عن الحرية، واليوم سنكمل الحديث عن حياة السعوديين في الأربعين عاما الماضية وعلاقتها بالحركة الصحوية وما قبلها، وكيف كان هناك رابط بين بحث الأوروبيين المهاجرين عن الحياة الجميلة البعيدة عن الوعد والوعيد، وبين الحملة التي شنها المجتمع السعودي بقيادة الأمير الشاب محمد بن سلمان على التيار الصحوي، وكيف ستكون أنثروبولوجيا الإنسان السعودي بعد تعوّد المجتمع على نتائج هذه الحملة. واستكمالا لما توقفنا عنده بالمقال السابق .. إذ انتشرت صور ومقاطع فيديو لطبيعة الحياة في السعودية قبل تلك الحركة، والتي قام بتصويرها رحّالة ومستشرقون (لأن التصوير والسفر لغير العلاج لم يكن حراما حينها)، وقاموا بحفظها في مكتبات أوروبية وأميركية ووصلت إلينا بعد انتشار مواقع التواصل الاجتماعي. يلاحظ المتابع لهذه المعروضات كيف كانت البيوت قديما وكيف كانت احتفالات الزواجات وغيرها، وكيف كانت النساء يشاركن الرجال في الطبخ والعزائم الكبيرة، وكيف أن حسن الظن هو السائد حتى يثبت العكس. وكانت أسطح البيوت لها جدران ولكن ليست كجدران اليوم، وكانت المستوصفات لها عوازل بين الرجال والنساء ولكن بالتأكيد ليست كالعوازل التي فرضت خلال عشرات السنين الأخيرة. كانت هناك أسواق نسائية ولكن يسمح للرجال بالتبضع منها، وكانت المرأة تبيع بجانب الرجل ولم يفرض عليها أحد وضع حواجز خرسانية ضد القنابل اليدوية التي قد يطلقها المعاكسون والمتحرشون، ولا سواتر أو طمس للصور التي تحمل صورة لوجه أنثى. وبعد ظهور هذا الحراك أصبح الكل مشكوكا بتصرفاته، إلا من يثبت عليه عكس ذلك، ولن يستطيع أحد إثبات أن نواياه سليمة حتى وإن كان مريض سرطان من الدرجة الرابعة وتزوره طبيبته لتساعده في مرحلة علاجه التلطيفي الذي يسبق الموت، إلا إن كان هذا المريض مشهودا له من إمام المسجد بأنه يصلي الفجر في جماعة، وأن له أشرطة كاسيت دعوية تملأ المساجد والمدارس، حتى أصبحت المساجد التي كلها يرى الآخر من قرب المسافة بينها تبنى بمئات ملايين، ويصعب إيجاد متبرع بأرض لا تتجاوز المليون ريال لإقامة مشروع خيري لغسيل الكلى مثلا. وإن كان هذا الذي يصلي الفجر حتى وإن لم يكن لديه مؤهلات أو حتى كان خريج سجون، فإنه يرى أن له الحق في الهجوم على أي مكان قد يحتمل أن فيه خلوة غير شرعية بناء على مفهومه، حتى وإن كانوا طلاب وطالبات طب يدرسون التشريح في ثلاجة الموتى، ليفرض عليهم أن يقوموا بوضع الجثة بينهم كعازل شرعي لأن الشيطان ثالثهم. فبعد أن تأثر المجتمع السعودي بهذه الحركة، بدأ كل ما له بالفن علاقة يموت موتا بطيئا، حتى وصل الحال إلى التلفزيون السعودي، الذي أوقف تدريجيا كل ما هو يخص الفن من حفلات وسهرات للفنانين السعوديين الذين وصلوا العالمية، واستبدلها بما يخص عذاب القبر، وبالتالي تغيرت أشكال المطاعم والشوارع والحدائق العامة إلى مسخ من بعضها، حتى أصبحت تصاميمها تخلو من كل فكرة إبداعية، إلا إن لجأنا إلى مصمم أجنبي يتقاضى أجرة ساعات تصاميمه بالدولار واليورو. يتبع في المقال التالي.