بالمقالين السابقين كان الحديث عن كيف كانت الحياة في أوروبا، إبان ما يعرف بحكم الكنائس، وكيف هاجر السكان من هناك ليبحثوا عن حياة حقيقية بعيداً عن عيشها بناء على مزاج البعض، ما جعل الحياة هناك بائسة وضيقة الأفق، وأن الرب خلقهم ليعذبهم إن لم (يمشوا على مزاجه)، وتم التطرق لأنثروبولوجيا الإنسان السعودي وكيف أثر فيه الفكر الصحوي. واستكمالا لما توقفنا عنده من المقال السابق... حتى بدأ الوضع يصعب على المجتمع الذي أصبح متناقضا، بعد أن بدأ يطلع على الحياة المختلفة عن حياته، إذ أصبح الطالب يشتري أشرطة الأناشيد الإسلامية والدعوية ليحصل على درجات المشاركة في الصباح الدراسي، وفي المساء يشتري أشرطة إباحية من نفس البائع. ما جعل هذا الطالب المراهق في حالة تناقض غريبة، كانت سببا في أنه أصبح يقوم أطراف الليل ليخطط طريقة المعاكسة والمغازلة التي سيخوضها في اليوم التالي، وبناء على عدد الجرائم المسجلة في هذا الخصوص تم تغيير تصاميم الأسواق والمحلات التجارية والمدارس العامة والخاصة، حتى أصبحت تحتوي على معدات ورجال أمن وحراسات أشبه بحراسات الكونغرس، فامتد التحرش والمعاكسات إلى الشوارع المحيطة بتلك المجمعات، حتى أصبح الشخص الطبيعي يعتزل هذه الأماكن حفاظا على مشاعره ومشاعر أسرته وأطفاله. وبعد أن أصبحت نتائج هذا الفكر والتيار عكسية على المجتمع، بدأت مظاهر البحث عن حماية الحرية الشخصية في المعتقد والحياة العامة، والتي تبنى على العلاقة الخاصة بين العبد وربه ولا حاجة لحصولها على أختام اعتماد وتصديق وتأكيد وسماح بالمرور من قبل هذا التيار. إذ ظهر صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان في مقابلته الشهيرة والتي قال فيها: (نريد أن نعود لما كنا عليه قبل 40 عاما، نريد أن نعيش على طبيعتنا، نعيش الإسلام الوسطي المعتدل، المنفتح على العالم). من هنا بدأت المملكة العربية السعودية عصرا جديدا مختلفا كليا عما كانت عليه في السابق، إذ بدأ عصر الراحة والترفيه المقنن، والمدعم بالقوانين الجديدة التي جعلت الرجل يؤمن بأن له كامل الاحترام والتقدير ما دام أنه يعيش جنبا إلى جنب مع نصف المجتمع الآخر بقناعة أنها لم تخلق ليؤذيها. فسمح لها بالعمل مع الرجل بلا عوازل وجدران، وتكون الرقابة عليهم رقابة عمل لا أكثر، فالنوايا في القلوب ولا يعلم ما في القلوب إلا الله، وسمح للأطفال بأن يعرفوا كيف يتعاملون مع الأنثى (سواء أكانت معلمة أو طالبة زميلة في نفس الفصل)، في بداية حياتهم التعليمية، والتي لو رسخت بأذهانهم آداب هذا التعامل لأصبحت تعليمات منقوشة على صخر أفكار هذا الطفل حتى يشيب. يتبع في المقال التالي.