ربما جيلي ليس مستهدفا في رؤية (2030)، ربما ثلاثة أجيال على الأقل قضت شبابها في فضاءات الصحوة، ستبقى مصابة بمرض (الصحوة) لتعيش به أو تتعايش معه، لتصبح (الصحوة) كمرض (السكر) تماما، فحتى الذين يتوهمون في أنفسهم الخلاص من أعراض الصحوة، ما زال في ثنايا كلامهم وقواميسهم مفردات صحوية لا يستطيعون التخلص منها، كلازمة تشبه قواميس المصابين بداء (البعث) و(الناصرية)... إلخ من أدواء فكرية أخذت زخمها الأيديولوجي ثم انسحبت من المشهد مع آثار على عقول معتنقيها تشبه آثار الجدري على وجه من شُفي منه، والصحوة كانت أكثر هذه الأيديولوجيات تجديرا للعقول لسبب وحيد، أن كل الحركات السابقة حققت بعض مكاسب الاستقلال للوطن العربي، ولكنها عجزت عن مواصلة الطريق ثم أصابها ما أصاب كل الشموليات في القرن العشرين بعد سقوط جدار برلين، بينما الصحوة حققت مكاسب لأميركا في بدايتها على حساب الوجدان العربي، لنرى حتى الأفغان باعوا (المجاهدين العرب) في سوق النخاسة المخابراتي.

الصحوة مرض حقيـقي أصاب ثلاثة أجيال على الأقل، ومن الحكمة عدم الانشغال بتـمريض جيل أو جيلين أو حتى ثلاثة على حساب جيل جديد هو جيل (2030).

ما زلت أقرأ في الكتب وأسافر وأمارس النقد الذاتي، لأصبح ممارسا للحمية الذهنية كي أستطيع العيش دون أعراض مرض (سكر الصحوة) على عقلي ووجداني، لكن المشكلة في جيلي العاجز عن فهم الحياة الجديدة، خصوصا أولئك المصابين بارتفاع (سكر الصحوة) في دمائهم مع كل لقطة أو فعالية لهيئة الترفيه، أو حتى لمباراة رياضية تحضرها الجماهير من الجنسين.

مؤسف أن تكون الصحوة في دم الجيل الصحوي كمرض السكر، لكنها الحقيقة المرة التي أصبحوا فيها وهم في نهاية الثلاثينات ووسط الأربعينات أو الخمسينات من أعمارهم يعيشون تيهاً و«كاوس» تجاه كل ما يعيشونه من حولهم.

إنها السعودية الجديدة الخاصة بجيل أبنائكم، ولا يسعكم تجاهها إلا أن تأخذوا بكلمات جبران خليل جبران عندما قال قبل مئة عام (إن أولادكم ليسوا أولاداً لكم، إنهم أبناء وبنات الحياة المشتاقة إلى نفسها، بكم يأتون إلى العالم ولكن ليس منكم، ومع أنهم يعيشون معكم فهم ليسوا ملكاً لكم، أنتم تستطيعون أن تمنحوهم محبتكم، ولكنكم لا تقدرون أن تغرسوا فيهم بذور أفكاركم، لأن لهم أفكارا خاصة بهم... نفوسهم لا تقطن في مساكنكم، فهي تقطن في مسكن الغد الذي لا تستطيعون أن تزوروه ولا في أحلامكم، وإن لكم أن تجاهدوا لكي تصيروا مثلهم، ولكنكم عبثا تحاولون أن تجعلوهم مثلكم، لأن الحياة لا ترجع إلى الوراء، ولا تلذ لها الإقامة في منزل الأمس....).

قرأت كلمات جبران قبل عقدين من الزمان، وقرأتها الآن وتأكد لي إصابة كثير ممن هم حولي بمرض (سكر الصحوة)، لتراهم يرعدون ويزبدون على بعض ما لم يألفوه من مناشط ترفيهية أو أساليب حياة جديدة.

الصحوة مرض حقيقي يجعل الوجدان (فصاميا) إلى نخاع العظم، لترى المصابين بهذا المرض يعيشون في إسطنبول وأنقرة من البهجة والفرح ما لا يعيشونه في الرياض وجدة، بل يستنكرون كل ابتسامة ترتسم على شفاه أبنائهم في مدنهم لأنها لا تليق بهم، فهم يريدون من أبنائهم أن يعيشوا أزماتهم الصحوية في (التحريم والتحليل وسد الذرائع... إلخ)، (مرض سكر الصحوة) له أعراض كثيرة، أولها (فوبيا الفرح والبهجة)، فإذا سمع المريض بالصحوة الضحكات عاش في ذهنه سوء الظن، فكل شاب وفتاة يراهما فآخر احتمالاته حسن الظن فيهما، بل يصل به الأمر لينشغل حتى في عبادته بصلاة غيره ناسيا صلاته، اعتاد مراقبة الآخرين على حساب الغفلة عن مراقبة نفسه، وإن سمع البكاء استكان وهدأ، فالأصل عنده الحزن، فهو مقدم على الفرح، فالبكاء عند مرضى (سكر الصحوة) من شواهد التقوى والإيمان.

مرض (سكر الصحوة) يرتفع مع كل فعالية من فعاليات هيئة الترفيه، وعلى المصابين بمرض سكر الصحوة من الجيل القديم تجنب فعاليات هيئة الترفيه، كما يتجنب مريض السكر كل الحلويات وأنواع الوجبات الدسمة، فبنكرياس العقل الصحوي لم تعد تفرز (إنسولين) الحياة الطبيعية في قانونها الطبيعي (عش ودع غيرك يعيش)، ومن يبحث عن حبوب الإنسولين فعليه بالقراءة والسفر، ففيهما بعض الشفاء لبعض القادرين على التأمل والتفكير المستقل، أما العاجزون فأعانهم الله على أعراض إهمال مرض (سكر الصحوة) التي قد تصل إلى التعفن وحيدا ثم الغرغرينا في الأطراف والتي لن تجد حلّاً لها عند الأطباء سوى البتر.