قال لي وهو يحاورني: كنتَ منذ ثلاثين عاما ولا تزال ضد الأخونة والصحوة، وتبين أنهم لا للإسلام نصروا، ولا للأعداء كسروا، وتقول إنهم سلطوا الأعداء على المسلمين، وتعاونوا معهم على الإثم والعدوان ضد بلادنا، وتجنوا على جيلٍ من الشباب الصالح، فزجوهم في أماكن الصراع، وأدخلوهم في قضايا وخلافات ومعارك لا ناقة لهم فيها ولا جمل، وأنهم يفعلون ذلك باسم الدين، والدين الذي أنزله الله على رسوله بريء من ذلك، لأن الدين الصحيح يأمر بالسكينة والطمأنينة والألفة مع الوالدين والأقارب والمجتمع، ويلزم بالسمع والطاعة لولاة الأمر بالمعروف، والدعاء لهم بالخير والتوفيق، وعدم التمرد عليهم، أو الإثارة والتهييج، وتذكر الأدلة من الكتاب والسنة على ذلك.

وتقول: إن الفكر الإخواني والصحوي بضد ذلك تماما، فتجد الشاب الصغير مهموما بالأمة، ومضيعاً نفسه، وكأن الأمة بدونه ستضيع، لما يسمعه من شحن مكثف من أنه لا بد أن يحمل همّ الأمة، وذكرتَ أن من الطرائف أن أحد الشباب سأل الشيخ صالح الفوزان -دون علم أصحابه- عن دوره تجاه الأمة، فقال له الشيخ ما عملك؟ فقال طالب في الجامعة، فقال: دورك أن تشد حيلك بدراستك، وترفع معدلك، وتترك اللي مالك فيه سنع، وأن هذه نصيحة عالم خبير.

قال محاوري: علمنا هذا عنك، وتفهمنا ردودك على الفكر الإخواني، فما ذا تنقم على الفكر الليبرالي؟ ولماذا تضعهم وجها آخر للفكر الإخواني؟ في حين أنهم يتقبلون الرأي والرأي الآخر، ولم يسلكوا العنف!

فقلت: أما دعوى تقبل الرأي والرأي الآخر، فهي مجرد دعوى لا بينة عليها، بل البينات تدل على نقيض تلك الدعوى، فهم إقصائيون لدرجة لا تخطر ببالك، رأينا هذا في الحوارات مع بعضهم، واعترف بذلك طائفة منهم كما هو موثق بالصوت والصورة. وأما أني أرى أن اللبرلة هي الوجه الآخر للأخونة فهذا صحيح، ولذلك تجد أطروحات (بعض) المنتسبين لهذين التيارين تؤيد الثورات، فيما يسمى بالربيع العربي، والثورات -كما هو معلوم- فيها عنف وسفك للدماء وزعزعة للأمن، فكيف يقال إنهم لا يؤيدون العنف؟

كما أن كثيرا من الأطروحات اللبرالية في الصحف في فترة ماضية كانت تحتفي بالرموز الإخوانية، ويصدرونهم في بعض الفضائيات.

والأخطر في نظري أن بعض الطرح اللبرالي مع مناكفته للشريعة، خطير على أمن بلادنا، وبيان ذلك: أن بعضهم يدّعي أن العقيدة الإسلامية، التي يسمونها (الأيدلوجية السلفية الرسمية) أنها سبب لسقوط الدولة السعودية الأولى، وبالتالي الرغبة بتنحيتها، هذا الطرح خطير جدا، لأن تنحية العقيدة تنحية لما دلت عليه وأمرت به، فالبيعة لولي الأمر، والسمع والطاعة، وعدم الخروج عليه، وعدم منازعته الأمر، كلها مسائل عقدية، فتنحية العقيدة تنحية لتلك المسائل، وجلب لما يسمونه نظرية العقد الاجتماعي والانتخابات ونحوها وهنا مكمن الخطورة، لقد أبدلنا الله عن ذلك بالمنهج الشرعي الذي فيه مصلحة البلاد والعباد، وقامت على أساسه دولتنا المباركة المملكة العربية السعودية.

ولذلك فهذا التيار الليبرالي خطير جدا جدا.

والذي أدين الله به: أن الالتزام بالعقيدة الصحيحة: عبادة لله، وسبب للأمن، وجمع للكلمة، فالمدينة النبوية كانت في العصر النبوي تضم المسلمين وطائفة من اليهود والمنافقين، فتعاملت معهم العقيدة الصحيحة بكل عدل وعلم وطمأنينة، فدعوى أن العقيدة تفرق، وأنه ينبغي أن يحل محلها تيار أو حزب وطني كما يقولون، شنشنة نعرفها من أخزم، فلا جمع للكلمة إلا بكلمة التوحيد، والعقيدة هي التي تدعو للانتماء للوطن والقيادة، ولله الأمر من قبل ومن بعد.