في أحد مقاطع الفيديو التي تسربت إلى جوالاتنا عبر واتساب، ظهر مجموعة من الصينيين (الشيّاب، أم كهلة، الشيبان، كبار السن.... أيما شئت فسمهم)، وهم يمارسون تمارين رياضية ورياضات، وكأنهم برشاقة طلاب المرحلة الثانوية لدينا، رغم أنهم مجموعة من كبار السن، ويمارسون رياضاتهم هذه في أماكن مخصصة للمتقاعدين.

ومن الصين إلى اليابان إذ ظهر في أحد برامج أحمد الشقيري، مجموعة من المتقاعدين الذين تجاوزت أعمارهم الـ80 خريفا وربيعا، وهم يتحدون الشقيري الذي يعتبر في نصف أعمارهم حينها، بأن يتحمل المسافة التي يتحملونها هرولة وجريا، ولم يستطع ذلك رغم أنه يعتبر من الفئات التي تهتم بصحتها في مجتمعنا.

عظم هذه الفجوة بين متقاعدينا ومتقاعديهم يظهر عميق الإهمال الذي يعانيه من ينطق عليه كلمة (متقاعد) في مجتمعنا، ويبدأ الإهمال تجاهه ابتداء من المؤسسة العامة للمتقاعدين ومن يقوم بمثل عملها في بقية القطاعات الأخرى، والتي تهتم بأن يحصل مستفيدوها على كوبونات خصم، أكثر من اهتمامهم بتطوير أنفسهم مثلا.

إذ نجد أن بعض السن التقاعدية تأتي مبكرا في بعض الرتب العسكرية مثلا، إذ تبدأ من منتصف الأربعينات، وبعد أن يطلق على المتقاعد هذا اللقب يبدأ مرحلة الملل القاتل، والبحث في الدائرة المفرغة عن حلول لمشاكله الصحية التي لم تبدأ معه إلا مع أول راتب تقاعدي، وهذا دليل أنها مشكلة نفسية وليست عضوية، سببها ما يشعر به من نكران لجميل ساعاته التي أفناها في عمله، (وآخرتها كوبون خصم) من جهات تستثمر بمليارات الريالات في مشاريع داخلية وخارجية ونسيت أن تستثمر في وقودها الحقيقي وهو المتقاعد نفسه.

ألم نحصل على أرقام مذهلة من عوائد مواسم الترفيه في المملكة جعلتنا نشعر بأننا أغبياء طوال هذه الفترة الماضية التي قضيناها بدون ترفيه، وكنا «نستخسر» الضحكة والابتسامة على أنفسنا؟.

أليس من الممكن أن يكون الاستثمار في التقاعد والمتقاعدين، وتطوير بيئة تجعلهم يشعرون بأن أعمارهم وأفكارهم ليست (تكح من تراكمات الغبار)، له عوائد قريبة من عوائد مواسم الترفيه، فيطمح من لديه رأسمال في القطاع الخاص أن يستثمر في ترفيه هذه الفئة العزيزة، ويكون من ضمن خططه الترفيهية لهم هو أن يكون هناك تقليل لعدد المرضى من كبار السن الذين تصرف عليهم وزارة الصحة (دم قلبها)، بسبب أنهم يعيشون بقية حياتهم، ولم يعد هناك (شغلة) للمتقاعدين سوى أن ينتظروا (الموت قاعدين).