في السابع من يونيو 1981، شنّت 8 طائرات إسرائيلية مقاتلة - فئة «إف 16»، تحميها 6 طائرات اعتراضية من نوع «إف -15»، غارة جوية استهدفت المفاعل النووي العراقي في بغداد، سُمّيت بعملية «أوبرا»، وذلك عندما شعرت إسرائيل أن العراق لديه «نية» في استخدام البرنامج لأغراض عسكرية ضدها.

لقد تأسس البرنامج النووي العراقي متزامنا مع النووي الإيراني، في خمسينات القرن الماضي، من قِبل الولايات المتحدة الأميركية.

فقد أرسلت الولايات المتحدة هديّة إلى العراق عبارة عن مفاعل نووي تجريبي صغير، ولكن عند اندلاع ثورة 1958 في العراق، كان هذا المفاعل محملا على باخرة متجهة إلى ميناء البصرة، فجرى تحويله إلى ميناء بوشهر الإيراني، نتيجة تداعيات تلك الثورة، وتم تركيبه في جامعة طهران، ليكون نواة البرنامج النووي الإيراني.

اتجه العراق بعدها إلى فرنسا، التي تعاقد معها في 1976 لبناء مفاعل «تموز» -كما يسميه العراقيون- أو «أوزيراك» -كما هو معروف عند الفرنسيين- في منطقة التويثة ببغداد، ولكن قبل تحميل الوقود النووي في المفاعل وبدء تشغيله، قصفته إسرائيل، مع العلم أنه كان تحت إشراف الوكالة الدولية للطاقة الذرية.

ومن غريب الصدف أن الدولة التي ساعدت العراق وإسرائيل في بناء مفاعلاتهما وتأسيس برامجهما النووية، هي فرنسا!.

تعلّمت إيران دروسا قيّمة من التجربة النووية العراقية، فلذلك اتخذت عدة خطوات احترازية لحماية منشآتها النووية، منها أن المنظومة النووية الإيرانية من منشآت ومختبرات ومعامل، وُزّعت على مناطق عدة ومتباعدة، وكثير منها شُيّد في العمق الإيراني، وبالتالي يصعب التدمير الشامل لكامل تلك المنشآت في وقت واحد، كما تم بناء المنشآت الحساسة، كتلك المخصصة لتخصيب اليورانيوم في نطنز وفوردو، تحت الأرض، وبعمق يصل إلى عشرات الأمتار، وتم تحصينها بدفاعات جوية لصد أي هجوم محتمل.

من هنا، يتضح أن شنّ هجمة جوية مباغتة على المنشآت النووية الإيرانية -كما حصل للعراق- لن يفضي إلى تدمير كلّي للبرنامج، ولذا سيكون أمرا مستبعدا، وحتى إن حصل، فسيكون أثره محدودا.

وقد أسهم التعتيم الكبير على تلك المنشآت في تقدم العمل فيها، والحقيقة أنه لولا المجموعة الإيرانية المنشقة التي فضحت البرنامج النووي الإيراني، لاستغرق المجتمع الدولي وقتا طويلا حتى يعلم عنها.

ولقد استخدمت إيران أسلوب المراوغة حتى استنفدت صبر المجتمع الدولي، ثم بدأت المفاوضات.

كان الإيرانيون حريصين على كسب وقت أطول في تلك المفاوضات، كما اهتمت إيران في توطين التقنية النووية. فأصبح لديها طاقم محلي من الخبرات والأيدي العاملة، والقادرة على إعادة البرنامج النووي في غضون 3 سنوات -حسب تقدير بعض الخبراء- في حال تدميره.

من هنا، تولّدت قناعة لدى «مجموعة ٥+١» بأن الحل السياسي أجدى من العسكري. وقد أعلن ذلك صراحة الرئيس الأميركي بوش الابن، في مقابلة أجراها مع التلفزيون البلجيكي بعد توليه الرئاسة، إذ قال إن المسار السياسي هو في أعلى القائمة، وهذا هو الحال مع إيران حتى وقتنا الحاضر.

لقد كان لتدمير مفاعل تموز دروسٌ وتبعات ليس لإيران فقط، وإنما للعراق نفسه، ولدول أخرى، فقد بدأ العراق بعد تلك الغارة برنامجه السرّي للتسليح النووي، والذي كان الهدف منه -كما روى الدكتور جعفر ضياء عن الرئيس الراحل صدام حسين- مواجهة التحدي الإسرائيلي في المنطقة، وحماية أي برنامج نووي سلمي في العراق. ولكنه في الحقيقة جلب للعراق الحصار والدمار.

وقد يتساءل أحدهم: ماذا لو نجح البرنامج النووي العراقي، وامتلك العراق القنبلة النووية، هل ستُوجه فعلا إلى إسرائيل؟ أم ستكون دول الجوار أولى وجهاتها؟.