يتعب من يحاول من الأفراد، أو حتى من الدول، أن يتغلب على المشكلات الحضارية الخاصة والعامة دون أن يتضامن مع غيره، أو يبحث عمن يتضامن معه، فالمشكلات الحضارية باتت اليوم معقدة أكثر من أي وقت مضى.

الوعي هو المفتاح الرئيسي لكل شيء، ولذلك الشيء المتقدم ذكره بالخصوص، وبدونه لن تتغير المفاهيم القديمة، ولن تظهر الثقافات الجديدة، وسيظل العقل البشري يراوح مكانه، بل إنه سيغرق في التشدد، والشعوذة، والتطرف، والخرافات.

كلنا عن بكرة أبينا، ولا أقول بعضنا، في حاجة شديدة إلى أن نقف وقفات صادقة مع أنفسنا، ونصفق بيدين، ونواجه عللنا بإرادات صلبة، وأن نقفز على كل التحديات، ونتضامن معا من أجل أهدافنا النبيلة، ونتشارك وجدانيا في كل شؤون حياتنا، ونشعر بالمسؤولية بنوعيها: الذاتية والمشتركة، ونتبادل أطرافها بوعي وقناعة، ونستشعر المفردات المقصودة في الحديث المشهور للصادق المصدوق، صلى الله عليه وسلم: «البنيان، والتواد، والتراحم، والتعاطف».

بدون الوعي بقيمة التضامن، وبدون تحقيقه، لا ولن نتكيّف، كأفراد ولا مجتمعات، ولا دول، مع عصرنا، ولا مع معطياته، وستتحول مستجداتنا من مجرد تحديات إلى مشكلات، ومن مشكلات بسيطة إلى مشكلات معقدة، وفي مختلف المجالات.

ومن هنا، تبرز قيمة أن نبحث عن التقاطعات والقواسم التي بيننا، وأن نبرزها، وأن نعمل بكل جدية على تكثيف التواصل، وأن نعلم أن من نعبده سبحانه وتعالى، تعبدنا بقوله في محكم تنزيله: «يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا»، وأن نتوقف عند كلمتي «نفس واحدة»، لعلنا بهما نفهم أن التضامن سيحصل إذا انعدمت الطبقية، والفئوية، والجنسية، والامتيازات غير الطبيعية، فقد كرّم الله خلقه كلهم بذات التكريم، وعليهم جميعا واجب احترام بعضهم بعضا، على أساس كامل من الفهم الصحيح لمعنى «النفس الواحدة».

الأديان، حتى وهي مختلفة في فرعياتها، لا يجوز لنا إلا الاعتراف بها وعدم التفريق بين رسلها -عليهم السلام- بنص القرآن الكريم: «.. كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِّن رُّسُلِهِ..»، ولا يصح إلا أن نفهم أن أهلها وأتباعها مكلفون بالتضامن لما فيه خيرية الكل، وأن نعي تماما قوله سبحانه: «وَلِكُلٍّ وِجْهَةٌ هُوَ مُوَلِّيهَا فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ أَيْنَ مَا تَكُونُوا يَأْتِ بِكُمُ اللَّهُ جَمِيعًا إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ»، وأن تكون علاقاتنا مع كل من حولنا علاقات إيجابية، أساسها حب الخير للجميع، والرغبة في صفاء الأرواح ونقائها، وأن ينعم الكل بالطمأنينة والسكينة، وأن تنعدم الأنانية وحب الذات من حياتنا وسلوكنا، وأن نتضامن بحق، من أجل أن تتقدم البشرية في سبيل الخروج مما يحاق بها من أزمات وأخطار.