يكتب أحدهم عن خصوصية الشرق، بل يؤكد الخصوصية الميكروسكوبية أكثر ليتحدث عن خصوصية الإقليم أو المنطقة، مستشهدا باهتمام الغرب نفسه بمسألة الخصوصية والهوية... إلخ، أي أنه يكاد يعيد إنتاج مفاهيم الحداثة لتكون ضد الحداثة، مثله من يستخدم الحرية لقمع الحرية، ليصل الأمر بهم أن يستشهدوا بإدوارد سعيد وحديثه عن الشرق وعيوب المستشرقين.

هنا تتوقف المسألة لنبدأ بوضع النقاط على الحروف في محاولة تليق بمقال أسبوعي ولا تطمح إلى أكثر من هذا، فالإسلام الذي نتحدث عنه ليس خاصا بلون أو عرق أو لغة، ولهذا ترى بعض العرب يرتطمون بحقيقة أن مليارا ونصف المليار مسلم لا ينطق العربية بها إلا قرابة خمسمئة مليون نسمة (إن صدقت الإحصائيات)، أي أن مليار مسلم لا يتحدثون العربية ولا يفهمون معناها إذا سمعوها، بل يعيشون الإسلام وفق ترجمة تليق بلغاتهم المتعددة وبحضارتهم ومعطيات وطنهم، والحديث عن الترجمة وما فيها من تأويل وفجوة ثقافية حديث متشعب ليس هنا مكانه، لكن أشرنا إليه لنوضح مدى الأرض الشائكة التي تغيب عن كثير من المهتمين.

إذاً فالخصوصية الإسلامية لها ارتباط بثقافة كل بلد ولغة ينتمي إليها، فإندونيسيا مثلا (أظنها تمثل أكبر دولة إسلامية في عدد السكان)، نرى دينها الإسلامي لا يتحسس من إقامة احتفالات تعود لتاريخ إندونيسيا الوثني، ولا تتحسس من عادات قديمة قبل الإسلام منتشرة في بعض أنحاء إندونيسيا، أي أن إسلامها هي وماليزيا يكاد يتطابق مع مفهوم (الإسلام الحضاري) المتصالح مع العالم والإنسانية، الإشكال الذي تعانيه هذه الدول وغيرها يكمن في (الإسلام الأصولي) الذي يفتعل المشكلات على أدنى قضية أو حدث بدعوى الخصوصية.

طبعا لسنا هنا في مناط تفكيك الإسلام الأصولي وإشكالاته مع مفهوم الحضارة، ما يعنينا هو الحديث عن أولئك الأنصاف ممن انشغلوا بالخصوصية التي يطرحونها ويستشهدون عليها بأقوال رجال غربيين، متناسين أن بعض مفكري ومنظري الغرب قد يؤيدون دعوى الخصوصية كما يؤيدون بقايا القبائل البدائية بأستراليا في الحفاظ على خصوصيتها، ويوفرون لها المناطق الآمنة، وهذا اللؤم الحضاري هو ما يجعلنا نتساءل دائما عن أميركا التي استطاعت أن توصل رئيسا أميركيا أسود لرئاسة أميركا، وعجزت عن إيصال هندي أحمر كرئيس، بل بقي الهنود الحمر حتى هذه اللحظة من الفضاءات المسكوت عنها التي لا تتقاطع مع البنية السياسية لجذور الدولة الأميركية القائمة على ما يسمى (المهاجرين)، كل المهاجرين بكل أعراقهم، لكنها تضيق برجل واحد من أهل الأرض الأصليين.

ولهذا لا نريد من أي أحد أن يدافع عن خصوصيتنا التي تتقاطع مع أي مظهر للتخلف، وكلمة التخلف لا تعني مهاجمة كل ما هو قديم، لنرى الحصون القديمة تُدك ويُبنى على أنقاضها منزل حديث، التخلف هو الجهل، وسأشرح بمثال، الفلكلور الحضرمي استطاع هضم الأوركسترا لنسمع (الأوركسترا الحضرمية)، أي أن التخلف هو الممانعة دون مشاركة العالم ثقافته ومنتجاته والإضافة إليها بمعطانا الثقافي والحضاري، التخلف أن نمتنع عن دراسة الموسيقى فنعجز عن تحويل فلكلورنا الشعبي في جميع أنحاء المملكة إلى نوتة موسـيقية تستطيع الأجيال بعد مئات السنين استعادتها كأنها اليوم، التخلف أن نعجز عن افتتاح معهد تمثيل ومدينة إنتاج فني وكتاب سيناريو ومخرجين، ينتجون لنا من ثقافتنا زادنا البصري والجـمالي الفني، تمثيلا وروايـة وأفلاما ومسلسلات... إلخ، من دورة تبدأ من الكتاب كرواية تاريخية أو خيالية، إلى واقع مشاهد يحرك العقل العربي، بدلا من استيراد مسلسلات تركيا والمكسيك كزاد فني لا علاقة له بأي معطى عربي سوى تمجيد خفي لحضارات وثقافات نتشارك معها كوكب الأرض وهوامش المعنى.