سحر الشخصية، أو الكاريزما، لا تبنى بسهولة وتتخير الفرص للظهور، لتعيد تشكيل مرحلة تاريخية، أو تضع بصمة في مسيرة وطن، بل قد تبني إرثا وتاريخا يخلد للأجيال القادمة. هناك عظماء صنعوا تاريخ شعوبهم وأوطانهم في مجالات مختلفة من السياسة والقيادة والشعر والأدب والتكنولوجيا. وفي تاريخ المملكة العربية السعودية عظماء خلدهم التاريخ وحفظتهم الذاكرة، تركوا بصمتهم التي تتوارثها الأجيال، ويأتي في مقدمة هؤلاء العظماء الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن، رحمه الله، الذي بنى وطنا، وأسس دولة أصبحت من أعظم الدول في تاريخها. وجاء بعده أبناؤه فاستمروا في بناء المجد وصناعة الإنسان حتى أصبح الوطن ضمن أفضل عشرين بلدا في العالم، ولأن حضارة الأمم لا تقتصر على العمارة والسياسة وبناء الجيوش، وضخ المشاريع التنموية، بل تتعدى ذلك لتشمل جوانب النهضة الإنسانية الأخرى كالأدب والثقافة والشعر والموسيقى. كانت «ثورة الشك» و«من أجل عينيك» للأمير عبدالله الفيصل، رحمه الله، وكانت كيف «يجرحن العيون» و«الغائب الحاضر بقلبي» للأمير الشاعر خالد الفيصل. أما البدر فهو من قصص الخيال كألف ليلة وليلة، لم ينصفه التاريخ كثيرا، ولكن تراثه وإرثه كان فريدا من نوعه، وظل عبر العقود الماضية يحتفظ بقيمته وروعته. وقبل أيام كان تكريم هذا الرجل والاحتفاء بسيرته، في ليلة اكتمل فيها المشهد الشاعري بالإلهام والطرب. لقد كان البدر سحابة معطاء للوطن، سقت أراضيه فاخضرت مدحا وحبا. كان نخلة شامخة تعطي أطيب الثمر. كان وما زال البدر نجمة براقة في سماء الوطن لا يخفت بريقها، ونترقب ذلك البريق بكل وَلَهٍ وعشق. استحقت كلماته الجميلة وألفاظه العذبة أن يتغنى بها، وأن نحفظها عن ظهر قلب. جميعنا أحببنا البدر وكلماته، وكنا معه كما قال قيس بن الملوح:

لقد ثبتت في القلب منك محبة كما ثبتت في الراحتين الأصابع

حفظ البدر لغتنا ولهجتنا وأسهم في نشرها، حتى رددها وفهمها الآخرون خارج الوطن. صنع البدر من الكلمات مركباً حالماً أنصفت الوطن ورسخت المحبة والولاء، وغرست في عقولنا أننا فوق هام السحب بالأفعال والأقوال. امتدت شهرة البدر في أرجاء العالم العربي، ويعد أحد أهم ركائز الشعر الحر، تزخر المكتبات بدواوينه وأشعاره، أشعاره التي تتميز بصدق الإحساس، ويظهر فيها الرمز والأسطورة. تحدث عن ليل الألم واعتذر عن كل شيء إلا عن الهوى لمحبوبته السعودية. يقول أحدهم في وصف ديوانه «ومض»، «لو كان الكتاب لأي شاعر آخر غير البدر لكنت أعطيته خمس نجوم، ولكن بما أنه للبدر فلا أقدر أقيمه بمعاييرنا التقليدية، فللبدر معايير أخرى والبدر شاعر من عالم آخر». ولعلني أختم باقتباس من كلماته (الأرجوحة هي أن تقطع المسافة دون أن تبرح المكان.. كلنا يتأرجح، وقليل منا سعيد بذلك، وليت أن الحبال التي تشدنا إلى الأرجوحة تمنعنا الطيران لا السقوط).