في أحد مواقع التواصل الاجتماعي، كان هناك خطّاط يعرض مخطوطاته على متابعيه، وكان يتقنها إتقان المحبّ، ويدقق التفاصيل ونهاياتها تدقيق الشغوف، وكان من الكلمات التي كتبها، مقولة: «لا تؤجلوا الرسائل فقد تتغير العناوين».

انتشلني من التعمق بجمال خطه، سمّو هذه الرسالة التي اقتبسها، وبدأت في رحلة «إنترنتية جوجلية»، أبحث عن قائل هذه الجملة، ووجدتها جزءا من عبارة تقول: «لا تخبئوا الكلام، فلن يرثه أحد ليقوله، ولا تؤجلوا الرسائل فقد تتغير العناوين».

صحيح أنني عدت من هذه الرحلة البحثية عن صاحب هذه «الشذرة»، وأنا أجرّ ذيول الهزيمة أمام العدد المهول من الآراء والمخارج والمداخل، التي ترافق كل بحث يخرج لي بملايين النتائج، إلا أن هذه المقولة لم يغيّب جمالها عدم معرفة قائلها بالنسبة لي، وهذه دعوة لكم لإبلاغي بصاحبها -خذوني على قدّ عقلي- فقط لحفظ حقوقه الفكرية، أما بعض الكلمات فقد تخلّد صاحبها حتى ولو كان تخليدا «مع مجهول» كما تخلد الجرائم «ضد مجهول».

بالعودة إلى الجملة، فإنها لو وُضعت على مدخل عيادة المستشار الأسري والاجتماعي، وبدأ كل منا يعلّمها لغيره، ونبضت عروق أفراد الأسرة بتطبيقها، فكيف ستكون حياتنا؟.

كم من أب ينتظر لحظة نجاح لابنه، ليذرف دموع الفرح على قدميه اعترافا بإقدام ابنه، إلا أن هذه الدموع انحبست بعد أن حُبست المشاعر بفعل فاعل.

تأجلت هذه الكلمات وتأجلت الرسائل، لأن هذا الأب لا يرى أنه قد حان وقتها المناسب، ويرى أنها ستكون أفضل حالا في المستقبل القريب، وأكثر صدقا لو ظهرت، وسبب حبسها إما لتوافه أمور قد لا حظها على ابنه، أو اعتقادا منه بأن الرجولة في تربية الابن، هي التعامل معه بقلب ميت لا يجعله يلين للدنيا فتنهشه، فيجد غيره قد نهش من لحم ابنه بكلمة قيلت له في وقتها من غيره.

وخذ هذا المثال على الفتاة التي تنتظر كلمة من أمّها، هذه الكلمة لو نطقت في لحظتها، ستكون كالوقود النووي الذي سيدفع الفتاة آلاف الخطوات إلى الأمام، ولكنها تأجلت حتى أصبحت وقودا يشبه الماء في المحرك، يحافظ على البرودة، ولكنه لا يدفع المركبة خطوة واحدة.

وقس على هذا المثال في عملك وبين موظفيك، قسه على مديرك ومديريه، وأسقطه على خادمك وخادمتك، و على جرسون المطعم والحلاق والفوال وبائع الشاورما، كم كلمة كادت أن تُقال بصدق وتأجلت حتى قيلت بخداع.

خلاصة القول: لماذا لا نقول ما يجول في خواطرنا ببساطة دون تكلف، وبلا حسابات معقدة لمستقبل هذه الكلمة التي ستخرج من أفواهنا، وكأنه يجب علينا أن نكون مطلعين قبل إطلاقها على علم الفلك والتنجيم، وتدريب النفس على إخفاء المشاعر والتكميم وكأنها «إعلان الحرب»؟

نظرة للسماء: «لا تخبّئوا الكلام، فلن يرثه أحد ليقوله، ولا تؤجلوا الرسائل فقد تتغير العناوين»... لقائلها.