تابعت -عن بعد- أعمال ندوة تطور العلوم الفقهية في سلطنة عُمان الشقيقة في نسختها الـ«15»، والتي عقدت في مسقط قبل أيام، واحدة من أبرز خطط وزارة الأوقاف والشؤون الدينية العمانية، في تفعيل المناشط الدينية المختلفة، وتطرقت في السنوات الماضية إلى مجموعة من العناوين، أهمها: «فقه النوازل وتجديد الفتوى»، و«التقنين والتجديد في الفقه الإسلامي»، و«الفقه الإسلامي والمستقبل، الأصول المقاصدية وفقه التوقع»، و«الفقه الإسلامي في عالم متغير»، و«النظرية الفقهية والنظام الفقهي»، و«فقه رؤية العالم والعيش فيه المذاهب الفقهية والتجارب المعاصرة»، و«الفقه الإسلامي المشترك الإنساني والمصالح»، و«فقه العصر: مناهج التجديد الديني والفقهي».

ولفتت هذا العام الأنظار إلى مجموعة من القضايا الحيوية الدقيقة، المتصلة بالأصول الشرعية لفقه الماء، والأنظمة الإسلامية فيه، وقضايا وفتاوى الماء في الفقه الإسلامي، وفقه الماء في تطبيقات التراث الإسلامي، وأحكام البحر، انطلاقا من الفهم الكامل لقوله تعالى: «وأنزلنا من السماء ماء طهورا، لنحيي به بلدة ميتا ونسقيه مما خلقنا أنعاما وأناسي كثيرا»، وقوله سبحانه: «وجعلنا من الماء كل شيء حي»، وحديثه، صلى الله عليه وسلم: «المسلمون شركاء في ثلاث: في الماء والكلأ والنار».

في الندوة العمانية تنبّه الجميع، ونبهوا من تابعهم إلى أن مبدأ حل مشكلات المياه وصراعاته مبدأ ديني، وأنه من أهم مقومات السلام العالمي والإقليمي في الوقت المعاصر، واعتمادا على ذلك خرجت الوثيقة الرصينة التي رشحت عن أعمال الندوة، والتي لفتت النظر إلى أن الماء نعمة، وضرورة، وحق من حقوق الإنسان، وأن الدول المختلفة مطالبة بإصدار مدونة تشريعية عالمية عادلة حول القضايا المعاصرة عن الماء، تحوي آليات لحل النزاع، وتضع الضوابط والأحكام الملزمة لحل المشكلات، وأنه لا بد من تفعيل معاهدات منع الاعتداء على مصادر المياه، وتجريم تلويثها محليا وإقليميا وعالميا، والعمل الجاد على إصدار تشريعات وطنية، تجرم الاعتداء على الماء بأية صورة من الصور، ووضع ضوابط تشريعية للمقاسمة العادلة في المياه، وتوجيه المؤسسات الإعلامية، ومراكز صناعة الرأي على إيجاد ثقافة إيجابية في التعامل مع الماء الذي «قد تزيد قطراته في الأهمية على قطرات الدماء»، وتعميم ثقافة ترشيد المياه على كل إنسان في كل استخداماته، والاستعانة بالإعلام في هذا الترشيد، وإنشاء أقسام في الجامعات لدراسة قضايا الماء، وتوجيه المؤسسات التعليمية للعمل على تكوين بنية ثقافية تحمي الماء في مختلف مراحلها، واعتماد الفقه الحضاري للمياه مقررا دراسيا، وإقامة دورات وبرامج للعمل على تعميم هذه الثقافة ونشرها.

كل الشكر للندوة الفقهية على تبنيها التنبيه لدق ناقوس موضوع المياه، والتأكيد أن وجود الحياة الإنسانية مرتبط بالماء، فلا حياة بدونه، ولا وجود بغيره، ولا سلام بدون توافق على قواعد التعامل معه، مع عدم التغافل عن أن حياتنا المعاصرة تنبئُ بصراعات حول المياه، مما قد يدخل الدول في مراحل «حروب الماء»، إن لم تكن بعضها قد دخلتها، كما هو مشاهد، مؤملا أن تكون أزمة المياه في الدول وبين الدول طريقا إلى السلام بين الناس، مؤكدا أن الأمن المائي لا يقل عن غيره من أنواع الأمن، بل هو الرافد الرئيسي للأمن الغذائي، والقوة العسكرية، والتنمية الاقتصادية، وحتى الرفاهية الاجتماعية.