أولا، لم أستخدم لفظ «ذوي الإعاقة» بـ«مزاجي»، فالخطوط السعودية هي من قامت بفتح أيقونة في موقعها الرسمي على الإنترنت تحت شعار «خصم خاص»، وبجانب هذا «الخصم» كُتب «خصم ذوي الإعاقة والمتقاعدين».

ولكن، قد تكون لدى الخطوط السعودية فلسفة أعمق من تفكيرنا. فالمعوق هو من وضع في طريقه ما يعوق وصوله إلى أمر ما، وقد تقصد الخطوط السعودية بأنهم مُعوقون، وأنها هي من وضع المعوقات في طريقهم بدلا من التسهيلات.

ولأن الخطوط لديها فلسفة أخرى أعمق من تفكيرنا أيضا، فقد يكون معنى كلمة خصم هنا، ليست بمعنى «خصم من مبلغ بتخفيضه عما كان عليه»، بل قد تكون بمعنى «خصم» من خصومة، ويقال في المحكمة هذا المتهم وهذا الخصم، فقد تقصد الخطوط السعودية أن هذه الأيقونة بمجرد الدخول عليها، تم تفعيل هذا الخصم ليكون «خصيما» «لذوي الهمم». وهذا المعنى الأقرب بعد نظرة فاحصة لعمل هذه الأيقونة.

ولنكون منصفين، أطلب منك عزيزي القارئ أن تجرب معي هذه الأيقونة ليتضح لك المعنى، وبداية عليك أن تحضر رقما للسجل المدني، وتاريخ ميلاد أحد ممن تم تصنيفهم بأنهم من ذوي الاحتياجات الخاصة من قِبل وزارة العمل والتنمية الاجتماعية.

وستجد أن وزارة العمل والتنمية الاجتماعية قد سلّمت صاحب هذا السجل المدني، بطاقة كتب عليها «بطاقة تخفيض أجور إركاب ذوي الإعاقة بنسبة 50%»، وفي التفاصيل بمرافق أو دون مرافق، ويكتب عليها «أُصدرت هذه البطاقة بموجب القرار السامي رقم 187 في 1401/09/19.

وما إن تُدخل هذه الأرقام في موقع الخطوط السعودية ستخرج لك بيانات هذا المستفيد تلقائيا، وهذا دليل على قدر تيسير الخدمة من قِبل الوزارة، إذ أتاحت وصول النظام الإلكتروني للخطوط السعودية إلى قاعدة هذه البيانات الحكومية.

ولكن دعنا نقوم بالعمل الذي أنشئت من أجله كل هذه»التسهيلات«، ونقوم بحجز لنرى كيف يتم تخفيض الـ50% هذه، وليكن الحجز -مثلا- إلى إحدى دول شرق آسيا، والتي تعدّ وجهات للسياحة العلاجية، فسيكون مبلغ التذكرة بعد الخصم هو قرابة 11 ألف ريال سعودي لهذا المعوق ومرافقه، وهذا يعني لك للوهلة الأولى أن المبلغ كان يحسب على الركاب العاديين بقيمة 22 ألف ريال وأنت حصلت عليه بهذا المبلغ، لأنك تحمل بطاقة صادرة من الحكومة كتب عليها تخفيض 50% بلا شرط أو قيد.

وبعدها قم بعمل حجز عادي للركاب أنفسهم، ولكن ابتعد عن أيقونة»خصم ذوي الإعاقة والمتقاعدين«، وأكمل إجراءات الحجز، وستُفاجأ بأن مبلغ التذكرة الفعلي هو 7400 ريال تقريبا للراكب ومرافقه العاديين بدلا من 11 ألفا لذوي الإعاقة.

«أي أنك إن أخفيت إعاقتك عن الخطوط السعودية، فستحصل كراكب عادي على خصم 50% من المبالغ التي سيدفعها ذوو الهمم فقط، لأنهم أفصحوا عن إعاقتهم»، فقام الكمبيوتر تلقائيا بحذفهم على فئة (الضيافة المميزة)»،

لـ«يمزمز» على ما تبقى في جيوبهم من إعانات الإعاقة التي يتلقونها شهريا، ولن يجد هذا المعوق -حسب تصنيفهم- فرقا بين المميزة والعادية سوى أنه دفع ضعف المبلغ فقط.

الخلاصة: حينما يقوم الطيران الرسمي بهذه الخديعة لاستغلال فئة تصنف من أهم فئات المجتمع، وبطريقة تنم عن مدى سوء التقدير والتعامل مع من وضعته الظروف رهين هذه القيود، فكيف هو الحال في التعامل مع باقي فئات المجتمع.

ولا نقول سوى يا وزارة العمل: «إن كنت لا تدري فتلك مصيبة، أو كنت تدري فالمصيبة أعظم».