يرمز الأسد إلى القوة والشجاعة والقيادة والسيطرة، ويرمز الذئب إلى الدهاء والذكاء والصبر لتحقيق أهدافه، وكذلك قدرته الكبيرة على المراوغة. أما الخرفان فترمز إلى الوداعة والنقاء والتضحية والصبر على الظروف القاسية التي توجد بها. دائما ما أحب أن أضع كثيرا من مفاهيم الحياة وفق إطارات محددة، ومن ثم أعيد النظر إليها وفق هذه التأطيرات. هذه النظرة تعطيني فهما أدق لكثير من التفاصيل التي تختبئ خلف الأفكار الكبرى.

في ثلاثينات القرن التاسع عشر، قام شخص اسمه توكفيل برحلة إلى الولايات المتحدة الفتية في ذلك الوقت، وبعد الرحلة كتب كتابا جاء فيه: إن البلدان بينها اختلافات في المفاهيم حول الفقر، حيث يرى أن موقف الخدم نحو الأسياد يختلف في المجتمعات الأرستقراطية عنه في المجتمعات الديمقراطية، ففي الأول يعيش الخدم متقبلين لواقعهم عن طيب نفس، بينما في المجتمع الثاني يعيشون وهم يتأملون قفزتهم الكبرى نحو الثروة والصناعة والقضاء وحتى نحو رئاسة الدولة. هذا التأمل حتى ولو نجح مع عدد بسيط من الناس، إلا أنه ينعكس بسواد مظلم على المزاج النفسي لهؤلاء الخدم مع كثرة الانتكاسات التي يعيشون فيها، وبالتالي يقضون حياتهم مختنقين بأرواحهم وبآمالهم وأمنياتهم، مما ينعكس عليهم وعلى سادتهم بالسوداوية والكراهية.

وبما أن توكفيل له نظرته الفاحصة للمجتمع الأميركي، أعتقد أن من حقي أيضا أن تكون لي نظرتي الفاحصة لمجتمعي العربي بشكل عام والخليجي بشكل خاص. ولذلك أعتقد أن صناع الأعمال والمنتجين لدينا بالضرورة ينتمون إلى ثلاث طبقات.

الأولى: مجتمع الطبقة الحاكمة والوزراء والقادة العسكريين وكبار التجار وأعمدة الصناعة، وهنا أرمز لهم بطبقة الأسود الضارية والضاربة، ومهمتهم قيادة الفئات الأخرى ورسم اتجاهاتها وأعمالها.

الثانية: مجتمع كبار الموظفين في الدولة وفي القطاع الخاص، والأثرياء والتجار من الطبقة الثانية، وأبناء القادة العسكريين والمدنيين الذين هم في بداية مشاويرهم المهنية والعملية. وهنا أرمز لهم بطبقة الذئاب، التي تعرف من أين تؤكل الكتف، وتكمن مهمتهم في صياغة أفكار الأسود إلى برامج عمل تنفيذية، كما أنهم يستفيدون من هامش التنفيذ بالسيطرة على المساحات الواسعة من النفوذ والتأثير.

الثالثة: مجتمع القطاع غير الربحي، والمهتمين بالتطوع والعمل الاجتماعي والإنساني والخيري، والعاملين في أنشطة وفعاليات المدن والمحافظات المتنوعة. وأرمز لهم بالخراف، ذلك لأنهم يبحثون عن أيسر الطرق وأسهلها لتجميل وجه المجتمع وأنسنته، ومحاولة ترتيبه ليتعايش مع ظروف الحياة القاسية. ماذا بقي؟ بقي أن أقول إنه يتوجب على الفرد إذا أراد التأثير والقيادة، أن يعرف إمكاناته وأدواته وخلفيته الاجتماعية التي ينتمي إليها، ومن ثم يحاول أن يتموضع في إحدى هذه الفئات. كما يجب عليه أن يدرك أنه من السهل أن ينزل من الأعلى إلى الأسفل، بينما من الصعب أن يرتقي من الأسفل للأعلى، وهذا هو ما انتبه وتحدث عنه توكفيل ولو بشكل آخر، حيث أشار إلى أن الحظ والفرصة قد يضربان مع أشخاص محظوظين، أما الغالبية التي في الأسفل وترغب بأن ترتفع للأعلى بحثاً عن السطوة والسيطرة والنفوذ والمال، فإن محاولاتها تعود عليها بالحسرة والألم. حسنا، أين موقع الإعلاميين ورجال الصحافة؟ قلة قليلة في الأعلى، وعدد أكبر بقليل في الفئة الثانية وتطمح إلى أن تأخذ فرصتها مع من هم بالأعلى، وكثير كثير يموج مع الطبقة الثالثة. والناس، أين بقية الناس؟ هم تبع لتلك الفئات.