اعتدنا منذ تولي خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز مقاليد الحكم في البلاد، اهتمامه وحرصه على توفير كل أسباب الحياة الكريمة لكل فرد وكل أسرة تعيش على هذه الأرض المباركة، وما يؤكد ذلك اعتماده الإثنين الماضي - حفظه الله - ثاني أكبر ميزانية في تاريخ المملكة للعام المالي الجديد 2020، والتي ترسّخ متانة الاقتصاد السعودي، وتدفع نحو تحقيق رؤية السعودية 2030 وأهدافها الوطنية التي أُطلقت، لتضع بلادنا في طريق التنمية الحقيقية، واستثمار الطاقات، وتوظيف الموارد التي ظلت غائبة للتركيز على النفط كمصدر أساسي، حتى أتت الرؤية لتعيد هيكلة الاقتصاد وتصحح مساره.

قبل الخوض في التفاصيل، وبادئ ذي بدء، أهنئ خادم الحرمين الشريفين وولي عهده الأمين والشعب السعودي الكريم بإقرار هذه الميزانية الضخمة، التي تعتبر الرابعة تحت رؤية المستقبل وبرامجها التحولية لتطوير الاقتصاد، وتقليل اعتماده على النفط، بما يؤكد نهج قيادتنا الرشيدة، وحرصها على مواصلة تنفيذ خطط الإنفاق الرئيسة، وتنفيذ المشاريع الكبرى، وبرامج تحقيق الرؤية، وتطوير البنية التحتية، وبرامج شبكة الحماية الاجتماعية، وتطوير الخدمات المقدمة للمواطنين وفق سياسة اقتصادية حكيمة تسير على منهجية صادقة ومدروسة.

لا شك أن المواطن كان ولا يزال محور اهتمام القيادة الرشيدة، وهذا ما ترجمه خادم الحرمين حفظه الله في كلمته خلال الإعلان عن الميزانية حين قال: «إننا سنواصل العمل بكل ما نملك من موارد وطاقات وفي مقدمتها المواطن السعودي لتحقيق أهدافنا»، مضيفا: «عازمون بعون الله على الاستمرار في تنفيذ الإصلاحات الاقتصادية، وتنويع مصادر الدخل، والاستخدام الأمثل للموارد المتاحة، وتمكين القطاع الخاص، ورفع مستوى شفافية وكفاءة الإنفاق الحكومي لتعزيز معدلات النمو والتنمية».

ولم تتوقف المكرُمة الملكية، واليد الحانية على الشعب عند هذا الحد؛ إذ وجّه الملك سلمان رعاه الله الجهات المختصة بتمديد صرف بدل غلاء المعيشة سنة إضافية حتى نهاية عام 2020، وكذلك استمرار برنامج حساب المواطن في المملكة بلا تغيير، وهو يمثل اهتماماً واقعياً بأحوال شعبه، ولفتة أبوية حانية من قيادة حكيمة، وهذا ما عهدناه دوماً من والد الجميع الملك سلمان، أمد الله في عمره.

ولأننا في وطن يعتز بالإنسان، ولأنهما طريق التنمية الحقيقية، فقد حاز قطاعا التعليم والصحة والتنمية الاجتماعية على نصيب كبير جدا في ميزانية الوطن، حيث تم تخصيص نحو 360 مليار ريال، ونصيب هذين القطاعين هو الأكبر، إذ يمثل نسبة 35 % من إجمالي الإنفاق المعتمد في الميزانية، وهو ما يمثل مؤشراً واضحاً على أن قيادتنا الرشيدة همّها الأول المواطن وتحقيق حياة كريمة له تضمن رفاهيته وحصوله على كل ما يحتاجه.

وبحسب البيان التمهيدي الصادر من وزارة المالية، بلغت النفقات المتوقعة للسنة المقبلة 1020 مليار ريال، أي حوالي 272 مليار دولار، على أن يصل العجز إلى 131 مليار ريال، أي 50 مليار دولار وهو ما يبرهن على نجاح وجدوى وفاعلية الإصلاحات الهيكلية متوسطة وطويلة الأجل التي يجري تنفيذها لتنويع النشاط الاقتصادي، بيد أن اللافت في هذا البيان توقعاته باستمرار نمو التحسن في أداء الناتج المحلي الإجمالي لعام 2020 بنحو 2.3 %، وصولا لتخفيض العجز بصورة تدريجية خلال الأعوام القليلة المقبلة للوصول إلى ميزانية متوازنة، أي خالية من العجز تقريبا، وذلك بحلول عام 2023.

الميزانية وبحجمها وأرقامها الفلكية التي قرأناها جاءت توسعية وشاملة لتعكس بوضوح طموح وطن يسعى جاهدا إلى تحقيق استقراره المالي والاقتصادي، وفي الوقت ذاته تحقيق آمال وتطلعات مواطنيه، وتوفير حياة كريمة لهم، كما جاءت لتؤكد للقاصي والداني قوة ومتانة اقتصادنا الوطني الذي لا يتأثر بهزات أو متغيرات طارئة، ولا بتقلبات في الاقتصاد العالمي، ما دامت هناك تدابير إصلاحية مستمرة انعكست على نمو وتحسين أداء بعض القطاعات وتحريكها من الخمول، تلك القطاعات التي تعتبر حيوية كقطاع السياحة والضيافة والفندقة والخدمات والتجارة والتأمين والعقارات، التي سجلت نسبة نمو ليست بهينة تراوحت بين 3.8 % و5.1 %، مما يعني أن رؤية المملكة تسير على خطى ثابتة.

وفي الأخير، لا يسعنا إلا أن نشيد ونجدد ثقتنا بالحكومة الرشيدة، التي يقودها الملك سلمان بن عبد العزيز، والخطط الاقتصادية التي يهندسها ولي عهده الأمير محمد بن سلمان للنهوض بالمملكة، والارتقاء بها إلى مصاف الأمم الكبرى، ونسأل الله العلي القدير أن يحفظهما بحفظه وأن يمدهما بعونه وتوفيقه، وأن يجعلهما ذخراً للوطن والمواطنين، ولتكون ميزانية خير ورفاهية، يبقى على المسؤولين العمل والإنجاز لتحقيق توجهات وتطلعات القيادة الرشيدة من أجل نماء وازدهار الوطن والمواطن.