منذ المرحلة الابتدائية وأهلنا يرسخون في أدمغتنا إجابات ليقينهم بأنها تظهر أبناءهم أمام الآخرين بالظهور المشرف، ومنها لو سألك أحد عن ماذا تتمنى أن تصبح مستقبلا، فقل له: (طبيبا أو طيارا أو مهندسا). كبرنا وكبرت هذه الإجابات معنا، فما إن يصبح أحد زملائنا في أحد هذه التخصصات بالجامعة، حتى نراقبه مراقبة الفخورين بأنه حقق طموح أهله بالتمسك بأحد هذه التخصصات ذات الصيت المرتفع.

راقبت مجموعة من أصدقائي حتى تخرجوا من تخصصاتهم الهندسية، وانضموا إلى من يضاف لأسمائهم مختصر «م»، أي أنه أصبح كما يقول إخواننا المصريون «باش مهندس».

وإليكم بعض تخصصاتهم:

بكالوريوس (الهندسة الكهربائية، الهندسة المعمارية، الهندسة المدنية..)

ماجستير (أمن معلومات وشبكات - أمن سيبراني..).

ولكن الغريب أن جميع أصدقائي المهندسين بلا استثناء عاطلون حرفيا، ويا ليتهم عاطلون بسبب أنه لا يوجد وظائف، بل لأن الجهات الحكومية ما زالت تمشي بناء على قانون «مش حالك بموظفي المكافأة المقطوعة»، حتى أصبح جميع من ذكرتهم سابقا يعملون مع جهات حكومية كبرى لا تقل عن أنها مسؤولة عن منطقة إدارية بأكملها، ويعملون اليوم على أساس أنهم يعملون على مشروع حتى انتهائه، وهنا تنتهي أعمالهم الموكلة إليهم.

الغريب أن بعضهم أمضى سنوات في هذه الوظيفة التي تصنف أنها أقل من المؤقتة فليس لها وقت محدد للانتهاء، بل يطلب منه أن يقوم بجميع الأعمال التي يقوم بها زملاؤه الذين يعملون على المرتبتين التاسعة والعاشرة، ويتقاضون رواتب حكومية يستطيعون منها الحصول على تمويل من البنوك، وبناء منازل وكل ما يحصل عليه موظفو الدولة.

أما مهندسو «الساعة أو اليومية» أيما شئت فسمهم، فكل ما عليهم هو أن يعيشوا ظاهريا وكأنهم مهندسون في الحكومة،

إذ يبلغني صديقي هذا أنه يحضر اجتماعات على مستوى المنطقة، بل ويرأس الوفد الذي يحضر من دائرته، وقراره مؤثر في تنفيذ أو عدم تنفيذ المشروع الذي اجتمعوا بسببه، وله عدة أعوام على هذا الحال.

ويبلغني صديقي الآخر الذي تخرج في جامعات أوروبا (بشهادة ماجستير أمن معلومات وشبكات)، أنه مسؤول عن حماية البوابة الإلكترونية التي يعمل عليها جميع موظفي القطاع في منطقته، وأنه يذهب هنا وهناك ويرافقه عدد من المساعدين، وكأنه ظاهريا موظف على المرتبة العاشرة أو أعلى، وهو كذلك منذ أعوام، بينما في الحقيقة أنه يأخذ «مكافأة شهرية» لا يستطيع بها حتى الحصول على «فيزا» أو «سيارة» من البنك.

السؤال هنا:

إن كانت هذه الجهات بحاجة إلى مهندسين بهذه المدة الطويلة التي تجاوزت أعواما، وأنها اختارتهم لكفاءتهم، فما الجهة التي عرقلت توظيفهم؟ وما الجهات الحكومية التي ما زالت تستقطب مهندسين من الخارج برواتب مضاعفة، فيما مهندسو البلد يعملون بنظام «المكافأة» المقطوعة؟.

لو راجعت -عزيزي القارئ- موقع الهيئة السعودية للمهندسين، وقارنت نسبة المهندسين السعوديين بغيرهم، بالتأكيد ستتغير الإجابة التي ستلقنها لابنك، في حال سؤاله عن حلمه في المستقبل، لتكون الإجابة لتصير: (سأصبح طبيبا أو طيارا أو... بس).

زاوية الدائرة

@HAMMADALYAMI