تتداول وسائل الإعلام أنباء كثيرة ومختلفة، عن مستوى جودة ونوعية وسلامة منتجات تجارية في السوق المحلي، تشمل الغذاء والدواء، وغيرهما من المنتجات والمبيعات التي تتعلق بصحة الناس واستخداماتهم المختلفة، والتي لا يتم اكتشاف أضرارها الجسيمة رسمياً، إلا بعد رفع شكاوى من المستهلكين المتضررين، لوزارة التجارة أو لهيئة الغذاء والدواء باعتبارها الجهات المعنية، بمتابعة جميع المنتجات التجارية التي يتم استهلاكها محلياً سواء أكانت منتجة محلياً أم مستوردة، والتي يفترض أن لها معايير وشروط مطلوب مطابقتها لأنظمة ولوائح تنظيمية وتشريعية موجودة، ويقتضي أن يعرفها التاجر كما يعرفها المستهلك، للالتزام بها وتنفيذها في إطار القانون والنظام الخاص بذلك.

لعل أوضح مثال قضية فساد الدخان الجديد التي تم تداولها مؤخراً، بعد الشكوى التي تقدم بها المستهلكون أو تحدثوا عن وجودها إعلامياً، لما لمسوه من أضرار وما لاحظوه من اختلاف عن سابقه، والذي دفع كلا من هيئة الغذاء والدواء ووزارة التجارة إلى مساءلة شركات التبغ المستوردة لتلك السلع، للإفصاح عن حقيقة مكونات السجائر، وما مصدر مكوناتها وما يتعلق بذلك من تفاصيل تستدعي تحليلات مخبرية، ما اضطرهما تباعاً، إلى الالتجاء لمختبرات دولية للوثوق من نتائج المختبرات المحلية، بعد أن أكدت الشركات المستوردة للتبغ مجتمعة سلامتها!، ضرباً بصحة المستهلك وثقة بعدم المساءلة أو المحاسبة المطلوبة؛ وعليه فإن ما لحق ذلك من تداول أنباء عن وجود مواد سامة وخطيرة بها، يدفعنا للوقوف على قضية خطيرة، تهدد صحة المواطنين والمجتمع، ليس في تلك القضية فحسب، وإنما في جميع ما يتم تداوله واستهلاكه من منتجات مختلفة، وتلحقها شبهات كثيرة عن مستوى سلامتها صحياً وبيئياً وبما يهدد أمننا الصحي العام.

إن أهمية مناقشة القضية لا تتعلق بأهمية التبغ كمنتج استهلاكي بحد ذاته، أو التشجيع على استخدامه أو غير ذلك من التفسيرات التي قد تتبادر للبعض، وإنما أهمية طرح الموضوع تتعلق بالوقوف على تحديد مدى نجاح هيئة الغذاء والدواء ووزارة التجارة؛ في تحمل مسؤولياتهما المؤسسية الوطنية، لكونهما المؤسستين الأساسيتين المعنيتين بسلامة وجودة جميع أنواع المنتجات التجارية المستهلكة محلياً، سواء أكانت للغذاء والدواء أم المنتجات الأخرى التي نحتاجها في مختلف مستلزمات الحياة.

من الملاحظ أننا لا نسمع صدى أو تحركا لكلا الجهتين المذكورتين إلا بعد ارتفاع الأصوات بالشكوى الرسمية، أو تداول القضايا من المستهلكين، سواء المتضررين منهم أو من المهتمين بالكشف عن الحقائق المستورة، وذلك يشمل جميع ما يتم تداوله مجتمعياً وإعلامياً حول كوارث الغش التجاري أو الفساد في الغذاء والدواء وضحاياه، سواء ما يتعلق بنوعيته أو سلامته الصحية أو مدى مطابقته للشروط النظامية، علاوة على تضخم الأسعار لسلع وأدوية تثبت فروقاتها الكبيرة عن دول أخرى، أو ما نشاهده من تدن في بيئة العمل والإعداد للطعام، وما يتصل بذلك من أمور صحية تهدد حياتنا وسلامة مجتمعنا.

التساؤل الُملّح الذي يطرح نفسه؛ ما هي المسؤوليات الفعلية المطلوبة من الغذاء والدواء ومن وزارة التجارة؟! هل دورهما يبدأ بعد شكوى المستهلك، أم أن دورهما ومسؤوليتهما يكونان قبل ذلك؟! أليس من مسؤولية هيئة الغذاء والدواء فحص ومتابعة كل ما يتم استيراده أو إنتاجه محلياً من الغذاء والدواء قبل تبادله تجارياً ومجتمعياً؟! ولماذا لا يكون من مسؤوليتها كذلك، منح رخصة نظامية لكل سلعة يتم دخولها للسوق للاستهلاك الآدمي خاصة، وبعد التأكد من سلامتها مخبرياً؟ أليس لديها مختبرات متخصصة لفحص الجودة والمكونات لجميع المنتجات الغذائية والدوائية؟!، ولماذا تطلب من الشركات المستوردة نتائج تحليل مختبراتها؟! أليس تلك الشركات هي الخصم، فكيف تكون هي الحكم؟!

وعليه فإن الاستفسار المطروح؛ ما طبيعة عمل هيئة الغذاء والدواء المؤسسية في تحمل مسؤولية الأمانة الوطنية؟!، وذلك في ظل ما نشهده ونلمسه من تجاوزات مستمرة على الصحة والسلامة البشرية والبيئية؟ لماذا تنتظر الهيئة دوماً وقوع الضرر ورفع الشكوى حوله حتى تتدخل لمعالجة القضية؟ لماذا لا تكون هي المبادرة بكشف السلبيات والمخالفات الموجودة في السوق الاستهلاكي؟ بل، وللأسف حتى ما يكشف عنه ما بين آونة وأخرى من رداءة أو تدن في مستوى منتج معين يتعلق بالغذاء والدواء، فإن ذلك لا يكون إلا بعد تداوله عالمياً أو إقليمياً، أو حتى بعد الكشف عنه من الشركات المنتجة ذاتها، كما حصل في قضية لحوم الأبقار البرازيلية قبل سنوات.

لا شك أن وجود مؤسسات وهيئات رسمية متخصصة يجعلها، معنية بتنظيم ومتابعة جميع ما يتعلق بمسؤولياتها الخاصة، وذلك جزء من مسؤولية وطنية وأمانة تتكلف بها الجهة، لأداء واجب مهني نحو الوطن والمواطنين، ويكون مقياس نجاحها في تحمل مسؤولياتها وأدائها، هو حجم المشكلات التي تواجه المجتمع فيما يتصل بمسؤولياتها، وكذلك مستوى رضا المواطن والمجتمع عن مستوى نجاحها ودورها في التصدي لما يواجهه المستهلك من مشكلات تتعلق بسلامته وصحته، والتي تبدأ فعلياً قبل أن تكون السلعة بضاعة رائجة في السوق التجاري، وقبل أن يتضرر منها المواطن والمجتمع، وذلك يشمل جميع المنتجات.

عندما تتقلص مسؤولية الجهات الرسمية المعنية عن متابعة القضايا ذات الصلة بها، إلى محاولة حل المشكلات والتجاوزات بعد وقوعها وتداول الشكاوى حولها، فإنها تُقصِّر بلا شك في تحمل مسؤولياتها المؤسسية الأساسية في التنظيم والضبط والتشريع، لتكون بمثابة مُعقِّب يتابع مستجدات ما يحـدث عـلى السـاحة الوطنية من إشكاليات وتجاوزات قد تكون خطيرة، ليساهم لاحقاً في معالجتها أو الحد من ضررها، بمراجعة جهات أخرى مرجعية أو متخصصة!