مع الاحتفال بيوم اللغة العربية العالمي الذي يوافق الـ18 من ديسمبر من كل عام، تذكرت حال اللغة العربية مع أبنائها والكلمة الموجزة التي عبر بها أمير منطقة مكة المكرمة الأمير خالد الفيصل، في ملتقى مكة الثقافي في دورته الرابعة قبل فترة، وكانت بعنوان «كيف تكون قدوة بلغة القرآن، وهو يشخص في ثلاث عبارات وضع العرب اليوم، وحال لغتهم، وموقف بلادنا الثابت على الحق في كل قضاياها، عندما قال «اللغة تغترب، والعرب تحترب، والسعودية تلتزم بما يجب».

وحقيقة تأسرني غيرة الأمير خالد على لغته العربية، واعتزازه بها كواحدة من أهم الهويات التي يجب للعربي المسلم أن يلتزم بها، ولقد شاهدته في مناسبات عدة يصر على الحديث بلغته العربية مع الوفود الأجنبية، بالرغم من إتقانه الإنجليزية كما يتقنها أهلها، إلا أن اعتزازه بلغته دائما ما يدعوه للحديث بها.

اليوم تواجه لغتنا العربية تحديات كثيرة ونحن نسمعها مكسّرة مختلطة باللغات الأجنبية، مهلهلة بلغة هجينة عرفت بـ«العربيزي» وهي تلقى العقوق من إعلاميين وأكاديميين، يخلطون لغتهم بكلمات إنجليزية، وكأن لغتهم العربية عاجزة عن إيجاد مفردات تؤدي نفس المعنى، أو قاصرة في بيان المعنى، فتسمع من يقول بدلا من الموسم «السيزن» ومن يقول «ويكند» بدلا من نهاية الأسبوع، ومن يقول «أوكيه» بدلا من حسنا، ومن يقول «استرس» بدلا من «الضغوط»، ومن يقول «أوه ماي قاد» بدلا من قوله يا الله أو يا ربي، ومن يقول عندي «كلاس» بدلا من فصل أو حصة.. الأمر محزن ومقلق في الوقت نفسه، إلى درجة أن من يحاول التحدث باللغة العربية يصبح مثار عجب لا إعجاب، ويواجه السخرية مع أننا سنقبل باللغة البسيطة الأقرب إلى الفصحى.

وبمناسبة حديثي عن اللغة العربية، ما زلت أتذكر مدرّسنا في المرحلة المتوسطة وهو يخبرنا بمقولة لسيدنا عمر بن الخطاب، رضي الله عنه، «تعلموا العربية فإنها من دينكم»، فأتذكر أني وجيلي كنا نقرأ القصص القصيرة، ونشعر بمتعة ونحن نردد الجمل بلغة عربية رصينة ثم نجد من يعززها على ألسنتنا، كالبرامج التي كانت في عهدنا وتقدم للأطفال، ومعظم مناشطنا المدرسية آنذاك باللغة العربية، فنلقي القصائد العربية من عيون الشعر العربي، وكإذاعة المدرسة التي كانت تستفتح يومنا المدرسي بمواد لا تغيب عن البال، بخلاف اليوم ونحن نشهد غزو «الشيلات والشعر الشعبي وقصائد الهياط» لحفلاتنا المدرسية والاجتماعية، ومدارسنا ومجالسنا الاجتماعية، وبرامج التلفزيون، ولم تكفهم تلك، فطلوا علينا من سناباتهم وحساباتهم يهايطون.

ولهذا كم يبدو الأمر مؤلما لنا كعرب، حينما نشاهد كل الأمم في العالم تحاول أن تهتم بلغاتها الأم وتعتز بها، وتحاول أن تبرزها، فاليهود مثلا يعتنون بلغتهم العبرية ويحاولون تشجيع أبنائهم على تعلمها ولا يرضون عنها بدلا، والصينية أصبحت مطلبا لكثير من الأمم والشعوب لدراستها، واليابانيون يعتزون بلغتهم وبتراثهم وبعاداتهم وتقاليدهم وبأزيائهم، ومعظم دبلوماسيي الدول يتحدثون بلغاتهم الأصلية، بينما الدبلوماسي العربي حينما يقف في محفل من المحافل الدولية يتحدث بلغة أجنبية ليست لغته ولا تمت له بصلة!.

لهذا فإن أطفالنا اليوم إن لم يجدوا مشاريع وأفكارا وأنشطة في البيت والمدرسة والإعلام تعيدهم إلى لغتهم العربية، التي تمثل جزءا من هويتهم وثقافتهم وتراثهم وتاريخهم، فسيفقدونها شيئا فشيئا، خاصة وهم يتعايشون اليوم مع وسائل التواصل الاجتماعي، والأجهزة الذكية التي أضعفت استعمالهم للغتهم العربية كتابة وتحدثا، هذا إذا ما أدركنا أيضا أن الإعلام اليوم ممثلا في البرامج التلفزيونية العربية فشل في إيجاد برامج للطفل العربي يعمل من خلالها على تنمية لغته الأم، كما كان جيلنا يحظى ببرامج ومسلسلات مثل «مدينة القواعد، افتح يا سمسم والرسوم المتحركة» باللغة العربية فنمّت لغتنا العربية، بينما غالبية برامج اليوم -بما فيها نشرات الأخبار- تحولت إلى مدارس في تكريس اللهجات العربية، وكل ما أخشاه هو اعوجاج ألسنة أولادنا وإصابتهم بالعجمة في ظل إهمال اللغة الأم على حساب الاهتمام بتعلم اللغات الأجنبية.