إن قلت لك عزيزي القارئ، إن العنوان هو أحد المشاهد في مسلسل ريفي أسكتلندي، أو قلت لك إنه خلاصة رسمة بسيطة لأحد الأطفال المشردين في ملاجئ إفريقيا، أو قلت لك هذا ما يظهر في صورة التقطت لأحد مصوري قناة ناشيونيال جيوجرافيك، مثلا، فهل ستعترض على أي منها، بالتأكيد لا، فكلها قابلة لهذا الوصف.

ببساطة «والنهر والزهر وقطر الندى» هو شطر بيت للشاعر اليمني عبدالله عبدالوهاب نعمان في قصيدته «حبيت يا ناس»، والتي تغنى بها أحد أعمدة الفن اليمني الأصيل أيوب طارش العبسي، وتحضر في غالب الحفلات على أنغام عدد من الفنانين الشباب هناك. ولكن ما الرابط الذي جعلنا نعتقد أن البيت الذي قيل في إحدى القرى اليمنية، قد يكون مشهدا من مسلسل ريفي أو... أو...، مما ذكر وما لم يذكر من هذه الأمثلة التي يربط بينها رابط مشترك وهو «الفنون الجميلة».

الرابط هو الجمال الذي تميزت به الفنون «الجميلة» عن غيرها من الفنون، كـ«فنون القتال» وغيرها، لأن الفن الجميل في غالب حالاته، تجده لا يعير اللغة ولا اختلاف اللسان ولا المكان ولا حتى الزمان اهتماما، حينما يبرز للعين التي ترى الجمال ولو كان طيفا. إذ تجد -على سبيل المثال- أن هناك سائحة أوروبية، تخلّت عما تحمله من ثقافات وعادات «وإتيكيت» في المأكل والمشرب وطريقة الجلوس، لتجلس جلسة الفقراء، مستمعة لأناشيد تقليدية لأطفال في إحدى جزر شرق آسيا، وتعيد هذه الأناشيد غير المفهومة لغويّا لها، ولكنّها وصلت إلى أعماق قلبها، إلى ذكريات أيام الطفولة، فتعود وكأنها ولدت على تلك الجزيرة، وليس في ضجيج المدينة التي قدمت منها. وتجد أن هناك رسّاما برازيليا، لم تطرب أذنه إلا لأغنية لأم كلثوم، وعلى جنبات مقهى قديم في صعيد مصر، فيسعى الطرب في جسده، حتى ترتعش ريشته بشخمطات مبهمة، تصل إلى أفخم المعارض الأوروبية للفن التشكيلي، لتجد إلى جانب تلك الرسمة مهندسا من اليابان قد ارتحل وترك صخب الحياة خلفه، ليجلس متأملا لها في المعرض الذي تقل فيه الكلمات بين زواره، نظرا لعدم قدرتهم على التخاطب فيما بينهم، لاختلاف ألسنتهم ولغاتهم، لكن قلوبهم متخاطبة وكأنها توصل ما عجز عنه اللسان، فيفهم هذا المهندس الياباني كل زاوية وكل بقعة لون في هذه اللوحة، وكأنه من رسمها وليس الرسام البرازيلي.

ما أريد قوله، إننا في عالم أصغر مما نتخيل لو نظرنا إليه بجانب «البحث عن الجمال في كل مكان»، لأن الجمال دفين بين أضلعنا، وكل قبس من أي «جميل» يهيج مشاعرنا، فتبدأ أرواحنا بالتقارب لتجتمع على ما يطربها من قبس يبقيها على قيد الحياة. نظرة للسماء: قال رسول الله، صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم: «إن الله جميل يحب الجمال».

زاوية الدائرة

@HAMMADALYAMI