أنتجت لنا المرحلة مسؤولين حكوميين يديرون مؤسساتهم ووزاراتهم وفق نظرية أسميتها "إدارة تطلعات الجماهير" حيث إن أسلم وسيلة لحماية ذواتهم وأعمالهم من المحاسبة وفق نهجهم هذا، هو إسماع الجمهور ما يريد وتخدير تطلعاته بما يطرب له السمع ولا يرى بالضرورة بالعين.

لقد تزايدت في الآونة الأخيرة ـ وبتساهل من وسائل الإعلام وربما تشجيع منها ـ التصاريح التي يطلقها ذلك المسؤول أو ذاك حول مشاريع طموحة وأفكار جريئة وخطط مدروسة، تضاهي إن لم تكن تتجاوز ما تحقق في الدول المتقدمة، والتي كانت وستبقى المثل الأعلى من حيث القشور والمرشد النظري لهؤلاء المسؤولين، ممن يسعون إلى خلق تجاوب ورضا شعبي حيال عملهم وإنجازاتهم المنتظرة وذلك ليسعد مرحليا بشيء من هتاف المجاميع تكون في حساباته بجانب القصاصات الصحفية ذخيرة كافية لاعتبارها وفق منطقه السطحي إنجازا كافيا.

لست أبالغ عندما أقول: إن هناك من يتعامل مع الجمهور باعتباره متلقيا تنطبق عليه نظرية الرصاصة التي كانت فاعلة أيام الحرب العالمية الثانية، ويرى في الإعلام وسيلة نقل وإيصال لما يريده هو وهو فقط، في وقت أصبح الجمهور الواعي ينظر لهذه الحالة المرضية ويصفها بأنها انسلاخ كامل عن الواقع ومرض نفسي ناتج عن النرجسية والأمان من العقاب.

وهنا، أجد أنه من الواجب على الجهات الرقابية في الدولة أن تتعامل مع مثل هذا النوع من المسؤولين وفق منهج المحاسبة ومراقبة الفساد، وذلك من خلال تأسيس مجلس رقابي يتبع هيئة مكافحة الفساد تكون مهمته الأساسية رصد تصاريح المسؤولين وخصوصا تلك التي تتحدث عن الخطط المستقبلية والدراسات التطويرية لتلك الوزارة أو تلك المؤسسة، وذلك بهدف رسم خطة زمنية يتم مطابقتها مع التزامات الوزارة المنصوص عليها في الميزانيات السنوية، بحيث يظهر من جهة المبالغة إن حدثت وكذلك المحاسبة في حال التأخير أو التأجيل أو الإلغاء. لا شك في أن الإعلام بشكل عام، وبكافة وسائله، لا يؤدي حاليا الدور الرقابي والتحليلي فيما يتعلق بمقارنة ما قاله المسؤول وما نفذه فعلا، باستثناء مقالات كتاب من هنا وهناك. مرد ذلك إما لتكاسل من جانب في البحث والتمحيص المهني الصحفي، أو خوفا وتحاشيا للإحراج من جانب آخر، وعليه فإن هذا المجلس الرقابي المقترح، إن كان كتب له أن ينجح، ويصبح بعبعا لهواة التصاريح الرنانة يجب أن يضم في عضويته أطرافا محايدة ومراقبين فعليين يتم انتخابهم واختيارهم من قبل الجمهور الضحية، فقد أثبتت التجربة أن جمهور تويتر مثلا، كان ولا يزال الصائد الوحيد لزيف تلك التصاريح بحيث أصبحت السلطة الرابعة الحقيقة في ظل غياب ـ وربما بقصد ـ الإعلام التقليدي بحيث أصبح جمهور تويتر هو الرقيب الوحيد الذي يخاف منه مسؤول التصاريح.