قال لي وهو يحاورني: هل يجوز تصنيف الناس؟ أم إن ذلك باب من أبواب الفتن يلجأ إليه صناع الوهم، ودعاة الفرقة؟

فقلت: التصنيف كلمة مجملة، لا يصح نفيها بإطلاق، ولا قبولها بإطلاق، وإنما يجب التفصيل، وعند التفصيل يكون التحصيل. فقال: وما التفصيل؟، وحبذا أن يكون الجواب مقرونا بالأدلة الشرعية، والحقائق الواقعية؟

فقلت: التصنيف قد يكون حقا، إذا كان بعلم وعدل، وقد يكون باطلا، إذا كان بظلم وجهل.

فالله تعالى صنّف الخلق صنفين: مؤمن، وكافر، فقال تعالى: «هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ فَمِنكُمْ كَافِرٌ وَمِنكُم مُّؤْمِنٌ»، والنبي -صلى الله عليه وسلم- وصف الخوارج بأنهم «كلاب أهل النار»، وهذا تصنيف بحق، والسلف وصفوا من يخرج العمل عن الإيمان بالمرجئة، وهو تصنيف بحق، ووصفوا من اعتزل عن الجماعة، وجعل مرتكب الكبيرة في منزلة بين المنزلتين، لا مؤمن ولا كافر، وصفوهم بـ«المعتزلة»، وهذا تصنيف بحق.

وفي زماننا، أنشأ بعض أصحاب الحركات السياسية التي تتخذ الإسلام غطاء، أنشؤوا مسميات لتكتلاتهم، مثل «الإخوان المسلمون» و«التبليغ» و«الليبرالية»

و«الصوفية»... إلخ، فهم رضوا بتلك الأسماء، وأعلنوا ذلك، فإذا قيل لشخص ينتمي إلى الإخوان على سبيل المثال: إنه إخواني، فهذا تصنيف بحق، لأنهم وضعوا لوحة على مقرّهم وكتبوا عليها: الإخوان المسلمون، ولهم مرشد، وتنظيمات خاصة بهم، فوصفهم بالإخوان تصنيف بحق، وهكذا من سلك طريقة الإخوان، فإنه يُقال إن منهجه منهج الإخوان، وإن لم يبايعهم، وينضم إلى قوائمهم، فمن سلك طريقة قوم فهو منهم، وهذا تصنيف بحق، وهكذا يقال في الفرق الأخرى.

ودولتنا المباركة المملكة العربية السعودية، صنّفت «الإخوان وداعش والقاعدة والنصرة وحزب اللات والحوثيين» جماعات إرهابية، وهو تصنيف بحق.

فلا حاجة حينئذٍ لرفع هذه اللافتة «لا تصنفوا الناس»، فما دام التصنيف بحق فهذا لا بأس به، بل هو مطلوب، لأنه يضع الأمور في نصابها فلا تختلط الأمور، وكان العوام يسمون من يعرف الحقائق ولا يغتر بالظواهر «راعي صِنْف» يستشيرونه ليوضح لهم الحقيقة. بل إن التصنيف ليس فقط في الأشخاص والكيانات، بل حتى الوظائف يتم تصنيفها.

فقال محاوري: هذا التصنيف بحق عرفناه، فما التصنيف الممنوع؟

فقلت: التصنيف بالظن والهوى وتصفية الحسابات، ومحاولة إسقاط الآخرين ظلما وعدوانا، هذا هو التصنيف الممنوع، لأنه يؤدي إلى الفتنة والانقسام، ولم يُبن على أساس صحيح.

فعلى سبيل المثال: ليس للإنسان أن يصف شخصا بأنه إخواني فقط لأنه اختلف معه، أو يصفه بعدم الوطنية لأنه بيّن خطأه، أو يصفه بالمتملق، فقط لأنه يبين حقّ ولي الأمر وفق الهدي النبوي، هذا تصنيف بغير حق، وفي الحديث: «من قال في مسلم ما ليس فيه سقاه الله من ردغة الخبال يوم القيامة»، وهي عصارة أهل النار.

ومعلوم أن من مسالك أهل الباطل التنفير من أهل الحق، وذلك بتصنيفات وألقاب يرونها منفّرة. فالعثمانيون وملالي إيران أرادوا التنفير من التوحيد، فوصفوا دعاة التوحيد في زمن الإمام محمد بن عبدالوهاب وبعده بـ«الوهابية»، والواقع أنه لا وجود لشيء اسمه الوهابية في بلادنا، فهذا تصنيف بغير حق، وفي حرب الخليج الثانية اخترع حزب «الإخوان المسلمون» مصطلح «الجامية» ليصفوا به كل من لم يوافقهم في مناكفة الدولة، والواقع أنه لا يوجد شيء اسمه

«الجامية» إلا في خيالات مخترعيه، فهذا تصنيف بغير حق. والمقصود، أن التصنيف قد يكون بحق إذا دلت عليه الأدلة والحقائق، وقد يكون باطلا إذا كان مبنيا على الظن والهوى والحسد.

ليس للإنسان أن يصف شخصا بأنه إخواني فقط لأنه اختلف معه، أو يصفه بعدم الوطنية لأنه بيّن خطأه، أو يصفه بالمتملق، فقط لأنه يبين حق ولي الأمر وفق الهدي النبوي، هذا تصنيف بغير حق