سياسة صناعة الأزمة والهروب إلى الأمام، سياسةٌ تلعبها إيران منذ سنوات مع العالم، ومع شعبها المظلوم.

فمحاولتها تصدير مشكلاتها الداخلية التي تشمل الجوانب الاقتصادية وسوء الإدارة للحكم، والفساد المستشري في مفاصل الدولة كافة، إضافة إلى مشكلاتها الدولية، لتشغل شعبها عن مطالبه الأساسية من تنمية المجتمع والنمو الاقتصادي والسياسي وغيره، فتجدها تتلون في خطاباتها السياسية بين التهديد والوعيد لخصومها من الدول، لتحشد التفاف الشعب حولها وتستميل عواطفه، ولتبعده عن انشغاله بقضاياه الأساسية الخاصة بالشعوب. وتبرر أفعالها فتهرب إلى الأمام خلال افتعال الأزمات دوليا، أو في المناطق العربية، واستخدام إستراتيجية دعم الجماعات المسلحة التي تشاغب الدولة وتتمرد على شرعيته، فاليمن ولبنان والعراق، أمثال واقعية لذلك.

ورغم أن السلوك الإيراني في افتعال الأزمات يحتاج إلى تفسير وتفصيل أدواته بشكل أكبر، إلا أن حديثنا اليوم هو عن سياسة إردوغان تركيا، والتي تحاول أن تحذو حذو إيران في افتعال الأزمات بين العرب، وشق الصفوف الإسلامية، وهذا ما نشاهده في مسرح العمل السياسي بشكل جلي وواضح، وهذه الإستراتيجية تحاول تركيا أن تقوم بها.

فبعد أن كانت تركيا تتبع سياسية أتاتورك، انطلاقا من مقولته الشهيرة «سلام في الداخل سلام في الخارج»، نجدها باتت مختلفة تماما عما سبق، إذ أصبحت دولة ماضية في التوجه إلى انتهاج أزمات في الداخل، وأزمات في الخارج، واستغلال التطورات وصناعة الأزمات، لتزيدها وتغذيها، بحثا عن دور ونفوذ في المنطقة. فموقفها مع قطر وسياستها معها جعلها تعتمد عليها كثيرا في بعض مشاريعها السياسية والاقتصادية. وبنظرة فاحصة للمواقف التركية، ودراسة نتائج سياساتها المتخبطة، وعلاقاتها الخارجية مع محيطها العربي والإسلامي وحتى العالمي، نجد نتائج سياسة إردوغان مع كل رحلة يتوجه إليها، أزمة تصعيد، أو أزمة خلافات دولية، فسياسة إردوغان، هي السباحة في وحل الأزمات، فدعمه قمة إسلامية مصغرة، عُقدت في ماليزيا، بمشاركة بعض الدول الإسلامية، والتي وُلدت ميتة لغياب الدول العربية الإسلامية الرئيسة، ذات البعد والتأثير الإستراتيجي في العالم الإسلامي والعربي، وعلى رأسهم المملكة العربية السعودية ومصر والإمارات، ومحاولة هذه القمة الالتفاف على منظمة التعاون الإسلامي التي تضم 57 دولة إسلامية، كان الهدف منها شق الصف والعمق الإسلامي.

أيضا، محاولة التدخل في ليبيا، وعقد اتفاقيات، واستعداده لخوض حروب لتغليب طرف على طرف آخر، لا ينم عن نتائج طيبة أو حقيقية لصناعة سلام عربي، وإنما سياسة زيادة التأزيم والخلافات.

أيُّ أزمة عربية تحدث، تجد إردوغان يسارع ويركض لعقد اتفاقيات تعاون وشراكات عسكرية واقتصادية، وهو بذلك يحذو حذو إيران في العيش على الأزمات التي تخلق كل فترة من الزمن، وكأن الأمر مقصود ومدبر!.

وفي اعتقادنا أن كثرة تلك الأزمات المزمنة، باتت نتيجة السياسات الخاطئة التي قامت عليها سياسة تركيا، وأن سياسة فَرِّق تَسُد، والتي تحاول انتهاجها واتباعها بتبنيها قضايا سياسية في الوطن العربي، وتغطيها بعباءة المظلومية والإنسانية، وتدعمها المكنة الإعلامية لقناة الجزيرة، والتي تعد مهمتها مخاطبة الشعوب العربية لمحاولة إقناعهم خلال سياسة التضليل الإعلامي، وتشويه الحقائق، والقول إن السياسة التركية داعمة لهم وللأقليات، وتمنحهم حق اللجوء في أراضيهم بشكل ممنهج.

في الوقت القادم، سنلاحظ أن تركيا ستضع أنفها في اليمن، وستحاول عقد بعض الاتفاقيات الثنائية العسكرية والاقتصادية، وأيضا في بعض الأقطار العربية والإسلامية، باستخدامها خططا تكتيكية، هدفها خلق النزعات وإشعالها بين الأقطار العربية والإسلامية، وستكون تبعاتها على تركيا وخيمة، فقد قال أحد الحكماء: «من طال تعدّيه كثر أعاديه، ومن طالت عداوته زال سلطانه..».