كتب السير الذاتية تعد مناجم غنية بالتجارب والدروس لأشخاص عاشوا نجاحات وإخفاقات في حياتهم الماضية. في الفترة الماضية كنت أقف في المكتبة للاطلاع على أحدث الكتب في هذا المجال، فوجدت كتاب (بصمة حياة) لعبدالله العقيل العضو المؤسس لمجموعة جرير. تصفحت الكتاب، وترددت في شرائه، حيث اعتقدت للوهلة الأولى أنه مجرد نوع تسويقي لمنتج من منتجات الشركة، بالإضافة إلى أنني لا أميل لقراءة كتب رجال الأعمال لاعتبارات خاصة. المهم، قررت أن أشتريه وقرأته. والحقيقة أنني خرجت منه برؤية جديدة تماماً، مغايرة لتصوراتي عن بعض الأشياء التي كنت أعتقدها في الحياة.

الكتاب، طباعته من النوع الفاخر، يقع في حـوالي الثلاثمـائة صفحة، موزع على عدد من الفصول. فصل للعائلة، وفصل للعـمل التجاري، وفصل يتحدث فيه عن إخوانه، وفصل للعمل الخـيري، وفصل للأوقاف الإسـلامية، وفصل للوطن، وفصل للإبل، وفصل لأفكار الكاتب ورؤاه.

رغم سهولة العبارات، وبساطة الأفكار التي يتناولها الكاتب، إلا أن التأثير الديني الذي يرغب إيصاله لي كقارئ وصلني وبشكل أكبر مما يتوقعه. ورغم الفكرة المسيطرة على عقولنا الباطنة حول ما يشاع عن البذخ عند الأثرياء في حياتهم المترفة، إلا أن الكتاب أرجعني إلى الفكرة الأساسية التي تقول إن المال يتوجب أن يكون في الأيدي لا في القلوب. حيث أسهب الكاتب كثيراً في هذه النقطة، وعاد إليها في كثير من الفصول حتى ترسبت بداخلي.

أعجبني في الكتاب تحدثه عن بداية تأسيس شركة جرير، وكيف كانت البدايات الصعبة لبناء هذا المشروع الضخم. استمتعت بتحدثه عن الرؤى القيادية التي يجب أن تحرك رئيس الشركة. وأعجبني حديثه الواضح عن التفرقة ما بين التجارة والإدارة، وكيف أن شركته تحاول أن تحفظ الكثير من الود، وتنسب الكثير من نجاحاتها للمديرين الذين عملوا فيها من بداياتها من جميع الجنسيات. استفدت كثيراً من حديثه عن فلسفته في العمل وساعاته الطويلة والقصيرة التي يتوجب على القائد أن يعيها ويطبقها في عمله، ومتى عليه أن يبدأ ومتى عليه أن يتوقف.

أعجبتني فلسفته في بناء ماركتي روكو، ورويال فالكون. وكيف أن الثانية تعتبر الخط الموصل للدخول في خط منتجات الأولى. والأهم من هذا وذاك، استمتعت بفكرته حول كيفية قسمته لحياة الإنسان إلى حياتين، ما قبل الأربعين، وما بعدها. وكيف أن لكل حياة نمطا معيشيا وفكريا مختلفا.

الكتاب حقيقة مملوء بالأفكار الدينية والتربوية والخيرية والقيادية والإدارية والتجارية والتفاوضية. وغيرها من الأفكار الإنسانية التي أعتقد أن الاطلاع عليها يستحق وبلا شك أن يدخل من ضمن أهدافك للعام الجديد.

خلاصة الكلام. إذا قرأت الكتاب يا صديقي القارئ، فلا تتعجل بقراءة الفصل الأخير، اقرأه على مهل. ففي رأيي أن فصله الأخير هو ثمرته اليانعة.