ظاهرة التحرش واحدة من أكثر الآفات الاجتماعية إثارة للجدل اليوم في وسائل التواصل والإعلام. فهي ظاهرة تعانيها أغلب دول العالم دون استثناء، ووضعت لها العقوبات الرادعة الكفيلة بالحد منها، سواء كانت في الأماكن العامة، أو في مواقع العمل، لما يترتب عنها من أضرار اجتماعية واقتصادية كبيرة.

يعرف «المركز المصري لحقوق المرأة» التحرش بأنه: «أي سلوك غير لائق له طبيعة جنسية يضايق المرأة ويعطيها الإحساس بعدم الأمان»، وتتفاوت مستوياته ما بين نظرات شبقة، أو تعليقات جنسية، أو جمل مبطنة لها طابع جنسي، أو لمسات في أماكن حساسة، وهي بعض مظاهر التحرش الذي أصبح آفة اجتماعية يمكن أن تعرقل أي عملية تنموية في أي بلد في العالم.

وتقف عوامل عدة وراء شيوع ظاهرة التحرش، فإلى جانب البطالة هناك تأخر سن الزواج وصعوبته بسبب ارتفاع تكاليفه في مجتمع تعتنق غالبيته الساحقة الديانة الإسلامية، التي تحرم العلاقات الجنسية خارج مؤسسة الزواج.

وإذا كان هذا المجتمع على مشارف فتح الأبواب أمام السياحة لاستقبال السياح من شتى دول العالم بمختلف ثقافاتها، فإن مسألة التحرش ستكون عائقا كبيرا أمام ازدهار السياحة، وهذا يتطلب من الأجهزة الأمنية أن تكون أكثر صرامة مع الأشخاص الذين يتحرشون بالنساء في الأماكن العامة، فأغلب السياح لو ذهب إلى بلد لا تحظى فيه المرأة بالاحترام فإنهم لن يعودوا إليه مجددا.

ومؤخرا عادت عقوبة التشهير للظهور من جديد، كواحدة من العقوبات التي أثارت جدلا واسعا حول ملاءمة تطبيقها ومدى جدواها في تحقيق وظيفة العقوبة المتمثلة في ردع الجاني وإصلاحه وتقويمه، مع ما لها من آثار نفسية تتمثل فيما يصيب المحكوم عليه من آثار سلبية، أهمها تولد الشعور الداخلي بالإحباط والمهانة، وفقدان احترامه أمام عائلته وأصدقائه والوسط الاجتماعي الذي يعيش فيه، ولن تقتصر تبعات التشهير على الجاني فقط، فسوف تطال الآثار النفسية أفراد أسرته، ويؤدي إلى ازدراء المجتمع لهم ما يجعلهم يعيشون في شبه عزلة عن مجتمعهم.

فالتشهير عقوبة حساسة، وقد يؤدي التوسع فيها إلى حدوث نتائج عكسية، فهي من العقوبات الماسة بالشرف والاعتبار، مؤدية بذلك للنيل من اعتبار المحكوم عليه والإساءة إلى سمعته بين الناس، وإذا كانت الجريمة خطرا يمس كيان المجتمع ومقوماته الأساسية، ويهدد أمنه واستقراره، فإن العقوبة تعد وسيلة المجتمع في مكافحة أي ظاهرة سلبية تعكر صفو الحياة اليومية الطبيعية، لذلك يجب اختيار العقوبة لتتناسب مع مقدار الجرم المرتكب، والتشهير من العقوبات التي يجب تطبق بالمقدار الذي لا يؤدي لحدوث نتائج عكسية، أو تطبيقها من أجل التشفي والانتقام.

إن الغرض من العقوبة أن تكون وسيلة لإصلاح الجاني وتقويمه، وإعادة إدماجه في المجتمع، عضوا نافعا منتجا، وبالتالي المحافظة على كيان المجتمع واستقراره، فتطبيق العقوبات أصبح فنا وفلسفة ذات مناهج في الاتجاهات المعاصرة، تسعى إلى تهذيب سلوك الجاني وتثقيفه مهنيا ودينيا، وتأهيله نفسيا ورعايته اجتماعيا، من خلال إخضاعه لبرامج علاجية وتأهيلية وإصلاحية لإعادة إدماجه في المجتمع من جديد.

ولا شك في أن عقوبة التشهير من العقوبات الرادعة على نطاق واسع، ودورها في الردع على المستوى العام والخاص لا يمكن إنكاره، فيجب أن تعطى هذه العقوبة حقها من الدراسة والبحث الدقيقين حتى لا تنقلب لوسيلة للتشفي والانتقام، ولذا يتوجب على من أوقع هذه العقوبة أن يوقعها في الأحوال اللازمة والضرورية، وأن يُصْدَر بالتشهير حكم قضائي، وأن يتم تنفيذ العقوبة بطريقة مشروعة ولغاية مشروعة.