يقول النبي صلى الله عليه وسلم: إنَّ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ آيَتَانِ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ، يُخَوِّفُ اللَّهُ بِهِمَا عِبَادَهُ، وَإِنَّهُمَا لا يَنْكسِفَانِ لِمَوْتِ أَحَدٍ مِنْ النَّاسِ، فَإِذَا رَأَيْتُمْ مِنْهَا شَيْئًا فَصَلُّوا وَادْعُوا حَتَّى يَنْكَشِفَ مَا بِكُمْ) رواه البخاري ومسلم.

فهذا نص شرعي قاطع كما ترى في أن الله تعالى يخوف عباده بالخسوف والكسوف، وفي القرآن الكريم يقول الله تعالى: (وَمَا نُرْسِلُ بِالْآيَاتِ إِلَّا تَخْوِيفا).

والواجب على المؤمن الإيمان والتسليم بما قاله الله ورسوله، فلا يقدم آراءه وخياراته وذوقه على كلام الله ورسوله، قال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِه وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيم). وقال تعالى: (فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّىٰ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيما).

وإن تعجب أخي القارئ فعجبٌ لجرأة مناكفة (بعض) المسلمين -هداهم الله- لما ذكره الله ورسوله.

فالله تعالى يخوف بالخسوف والكسوف عباده، كما دلت عليه النصوص الشرعية، بينما (بعض) المسلمين من الكُتَّاب وغيرهم يقول: لم نفعل خطأ حتى يخوفنا الله بهما، وإنما هما ظاهرتان طبيعيتان عاديتان.

والنبي -عليه الصلاة والسلام- يقول: (فَإِذَا رَأَيْتُمْ مِنْهَا شَيْئًا فَصَلُّوا وَادْعُوا حَتَّى يَنْكَشِفَ مَا بِكُمْ)، ويقول كما في مسند الإمام أحمد: (فافزعوا إلى المساجد) رواه أحمد.

بينما (بعض) المسلمين -هداهم الله- لا يفزعون إلى المساجد والذكر والدعاء، وإنما يفزعون إلى التصوير وإرسال المقاطع.

ولا ريب أن ترك الفزع إلى الصلاة والانشغال بما يصرف عنها: جهل في الشرع، ونقص في العقل.

فالواجب على المسلمين أن يُعظّموا ما عظّمه الله ورسولُه، وأن يفعلوا ما وعظهم الله ورسولُه به من الفزع إلى الصلاة والدعاء والذكر، فقد قال الله تعالى: (ولو أَنَّهُمْ فَعَلُوا مَا يُوعَظُونَ بِهِ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ وَأَشَدَّ تَثْبِيتًا* وَإِذًا لَآتَيْنَاهُمْ مِنْ لَدُنَّا أَجْرًا عَظِيمًا* وَلَهَدَيْنَاهُمْ صِرَاطًا مُسْتَقِيمًا).

وها هنا أنبه إلى مسألتين وهما:

الأولى: أن الخسوف والكسوف لهما أوقات مقدرة، وهذا لا ينفي كونهما آيتين عظيمتين يُخوف الله بهما عباده، وهكذا فالناس يخافون من البراكين والزلازل والفيضانات، وإن كانت لها أوقات معلومة، قال شيخ الإسلام ابن تيمية: (الْخُسُوفُ وَالْكُسُوفُ لَهُمَا أَوْقَاتٌ مُقَدَّرَةٌ كَمَا لِطُلُوعِ الْهِلالِ وَقْتٌ مُقَدَّرٌ... وَلِلشَّمْسِ وَالْقَمَرِ لَيَالِي مُعْتَادَةٌ مَنْ عَرَفَهَا عَرَفَ الْكُسُوفَ وَالْخُسُوفَ، كَمَا أَنَّ مَنْ عَلِمَ كَمْ مَضَى مِنْ الشَّهْرِ يَعْلَمُ أَنَّ الْهِلالَ يَطْلُعُ فِي اللَّيْلَةِ الْفُلانِيَّةِ أَوْ الَّتِي قَبْلَهَا، لَكِنَّ الْعِلْمَ بِالْعَادَةِ فِي الْهِلالِ عِلْمٌ عَامٌّ يَشْتَرِكُ فِيهِ جَمِيعُ النَّاسِ، وَأَمَّا الْعِلْمُ بِالْعَادَةِ فِي الْكُسُوفِ وَالْخُسُوفِ فَإِنَّمَا يَعْرِفُهُ مَنْ يَعْرِفُ حِسَابَ جَرَيَانِهِمَا، وَلَيْسَ خَبَرُ الْحَاسِبِ بِذَلِكَ مِنْ بَابِ عِلْمِ الْغَيْبِ. اهـ.).

الثانية: أن الله تعالى يبتلي عباده بالسراء والضراء، كما قال تعالى: (وَنَبْلُوكُم بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنَا تُرْجَعُون). وقد يبتليهم بها لرفع درجاتهم وتكثير حسناتهم كما يفعل بالأنبياء والرسل -عليهم الصلاة والسلام- ومن سلك طريقهم، كما قال النبي ﷺ: (أشد الناس بلاء الأنبياء ثم الأمثل فالأمثل)، وقد يبتليهم بها سبحانه بسبب المعاصي والذنوب، كما قال سبحانه: (وما أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِير). والإنسان لا يُزكي نفسه، فالتقصير وعدم القيام بالواجب كما ينبغي وارد، وكل بني آدم خطاء، فلا بد من التوبة، وخير الخطائين التوابون.

وليس للإنسان أن يتألى على الله، ولا أن يتدخل فيما ليس من شأنه، ذلك أن بعض الناس -هداهم الله- ينزل أقدار الله وفق هواه، فإن أُصيب من يحب قال: هذا ابتلاء لرفعة درجاته، وإن أُصيب من يكره قال: هذا عقوبة له بسبب ذنوبه، وهذا تحكم لا دليل عليه،

فالأمر كله لله، ولا يصح أن يتقوَّل أحد على الله، ومن تقوّل على الله فإنه مُهدد من الله تعالى بقطع الوتين، كما في قوله تعالى في حق نبيه محمد صلى الله عليه وسلم: (ولو تقول علينا بعض الأقاويل* لأخذنا منه باليمين* ثم لقطعنا منه الوتين* فما منكم من أحد عنه حاجزين).

والمسلم إذا كان على طاعة واستقامة وابتُلي فإنه يصبر ويحتسب، ويرجو أن ما أصابه رفعة لدرجاته، وتكفير لسيئاته، وإن كان على معصية وإعراض عن طاعة الله، فابتُلي بنفسه وماله، فإنه يخشى من ذنوبه ويتوب إلى الله ويستغفر، وفي الحديث: (وإنَّ الرجل ليُحرم الرِّزقَ بالذنب يُصيبه).

فهو بين الرجاء والخوف، ولا يتألى على الله، في تنزيل الوقائع على فلان وعلان إلا بدليل شرعي، وأما بصفة عامة فإن الذنوب سبب للعقوبات، لا شك في ذلك، بدليل قوله تعالى:( فَكُلًّا أَخَذْنَا بِذَنبِهِ فَمِنْهُم مَّنْ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِ حَاصِبًا وَمِنْهُم مَّنْ أَخَذَتْهُ الصَّيْحَةُ وَمِنْهُم مَّنْ خَسَفْنَا بِهِ الْأَرْضَ وَمِنْهُم مَّنْ أَغْرَقْنَا وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلَٰكِن كَانُوا أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُون).

فهذانص قاطع أن الله يأخذ بالذنوب، وليس ذلك محصورا في أمة من الأمم، بل كل من عصى الله فهو متعرض للعقوبة، والله يفعل ما يشاء ويختار، وليس لنا أن ننزل أفعال الله على أهوائنا ورغباتنا، ولله الأمر من قبل ومن بعد.