في مقال لتركي الدخيل تحدث عن رضا لاري، قال: إن رضا عندما قرر خوض التجارة، فتح مكتباً للتخليص الجمركي. وعند إقالته من عكاظ، أحجم التجار عنه. فاشتكى للملك فهد سوء وضعه، وطلب منه أن يبتسم له أمام الكاميرات، لتصل الرسالة للتجار. ولكن الملك فهد كان أكرم من أن يبتسم فقط، بل طلب منه أن يركب معه سيارته. ومن هذا الموقف، لم تهدأ اتصالات التجار الباحثين عن رضا.

بعد قراءتي لهذا المشهد، تحدثت لنفسي، كيف أني وجدت الملك فهد بجانب شخصيته العظيمة، والتي يرسمها تاريخه، كأحد الساسة العظام في البلدان العربية، والذين جنّبوا دولهم ومناطقهم الكثير من المآزق والمشكلات، وجدته كذلك خبيراً نفسياً، يدرك ما يدور في النفس البشرية، وما تنطوي عليها من مشاعر متخالطة من خوف، ورعب، ورغبة، وتملق، وتطلّع، وسعي خلف المصالح الشخصية المتقلبة ما بين الصداقة والعداوة. هذا الموقف، أدرك بعمق تجربته الإنسانية أن تدخّله غير المباشر في إنقاذ رضا، سيكون أعظم أثراً من تدخّله المباشر. ولذلك فإن إرفاقه معه في سيارته أعطى الإيحاء النفسي بأن هذا الرجل لا زال يحافظ على صلاته القوية مع الدولة، بل ومع رأسها الأول. وأن إيقافه هو مجرد إجراء روتيني يتعرض له العاملون في أروقة الدولة.

أزعم أنني هنا، أستطيع أن أخرج بدرسين.. الأول: أن العلاقات الإنسانية متقلبة ومتبدلة، وأن ما يدور حولك اليوم من مشاعر إيجابية، خاصة إذا كنت في وضع وظيفي أو اجتماعي متميز، فإنه سوف يتبدل بأول دورة تدور بها عليك الليالي والأيام. ولذلك في حال انقلبت عليك أحوالك في وظيفتك أو مجتمعك جراء موقف أو آخر. فيجب عليك ألا تفقد الأمل، وتظن أنك سوف تخسر كل ما بنيته من تميز ونجاح في مشوارك. بل يتوجب عليك أن تبحث عن علاقاتك ومعارفك التي تنتشلك من هذا الوضع، ومن ثم تزيد إظهار تلك القوى، إلى أن يشاهدها كل من يدور في فلكك وبيئتك التي تحيط بك. ولذا فإنه من الواجب عليك، أن تعمق صلاتك بالأشخاص الأقوياء والنافذين في منظمتك ومجتمعك وتحافظ عليهم.

الأمر الثاني: أن التدخلات المباشرة بعض الأحيان قد تفي بغرضها. ولكن التدخلات غير المباشرة قد تعطي الأثر الأكبر لمن يعمل أو يتعامل معك. وإضافة لذلك فإن هذه التدخلات غير المباشرة هي في حقيقة الأمر، لا تلزمك بشيء. ولا يستطيع أحد أن يحاسبك عليها، أو يأخذها عليك كمدخل للمطالبة أو الالتزام أو حتى التنازل عن بعض المكتسبات. ولذا فإن دورانك في محيط هذه التدخلات غير المباشرة يكسبك بشكل أكبر من تلك التدخلات المباشرة والواضحة. كثير من النفوذ يأتي من هذه المنطقة، فعليك استغلالها بالشكل الأمثل.

صديقي القارئ.. هل أحصيت من قبل قواك الناعمة، وحددتها، ووظفتها بالشكل الجيد. قبل أن تجيب، عليك أن تخبر من يقول لك إن هذه طريقة المنافقين والمتقلبين. قل له، إن الحياة للأقوياء فقط، الأقوياء هم من يستغلون نقاط قواهم ويفعلونها بالطريقة الصحيحة.