إنه الألم الذي لا يرغب أحدنا في تجرع مرارته، المصيبة التي لا نود تخيلها ونحن أحياء، نتقلب في رغد العيش وسعة الرزق واطمئنان النفس، ولكنها سنة إلهية ثابتة لا تتبدل ولا تتغير. فراق الأحبة، فراق مؤلم صعب لا يمكن وصفه في سطور، إنه ألم داخلي متعمق في أعماق النفس البشرية، هو السبب الأكبر لاستخراج الدمع من مكنونات العين، يجتمع المحبون والمقربون من الفقيد لوداعه، ويبتهل أهل الخير والصلاح إلى ربهم الرحيم الرحمن، المعطي المنان، الذي لا يضيع عبده المسلم، يدعون ربهم بأن يغفر لفقيدهم، وأن يتجاوز عنه، وأن يبدله دارا خيرا من داره، وأهلا خيرا من أهله، وزوجا خيرا من زوجه، إنه الفراق الذي لم ينكره أحد من البشرية، الفراق الذي اقتحم كل المنازل، وتجول في كل البيوت. قد يغتر البعض ويراه بعيدا بعد نجوم المجرات الكونية، ولكنه في الحقيقة قريب كقرب أسنان المشط لبعضها. ولنبدأ الحكاية، في يوم، تلقينا نبأ، نزل علينا كالصاعقة بوفاة إحدى القريبات العزيزات على قلوبنا وقلوب أهلنا جميعا، رضينا بقضاء الله وقدره، وعلمنا أن اختيار الله لنا خير من اختيارنا لأنفسنا، فسلمنا الأمر لله، تذكرنا الفقيدة وأعمالها الصالحة التي نحتسب على الله أن يكفر بها عن خطاياها، لم تنزل قط إلى أي مكان إلا نشرت فيه مشاعر الحب والصفاء والنقاء، كانت مشاعر السعادة هي المشاعر السائدة عندما نلتقيها، تلتمس الأعذار عمن أخطأ بحقها، وتتنازل عن منافعها الشخصية لأجل إسعاد الآخرين، يسرت كثيرا عن المعسرين، كانت تتمتع بخلق كبير يستحق أن يكون أصلا ومرجعا لأخلاق الأصفياء، تحملت الآلام الكبيرة، وصبرت على الأوجاع العظيمة لأجل أن تُوفّى أجرها بغير حساب، إنه أجر الصابرين الراضين بقضاء الله. لقد عانت من مرض عضال، وفقدت أحد أولادها منذ فترة قليلة، كان سلاحها الإيمان والرضا بالقضاء والقدر، لم تدخل في جدال أو نقاش حائر، كانت حلقة الوصل بين المتخاصمين، أثنى عليها الأقارب والأباعد، وكما قيل أنتم شهداء الله في أرضه، فاللهم يارب العالمين مُن على الفقيدة الغالية بالرحمة والمغفرة والعتق من النيران.