يُناقَش كثير من تحدياتنا التنموية وإشكالاتنا الوطنية المتعلقة بقضايانا الحيوية، عبر وسائل الإعلام، ويشارك في ذلك الطرح فئات المجتمع المعنية بتلك القضايا، سواء من المنتفعين أو المتضررين، أو من المسؤولين المعنيين بتحمل مسؤولية تلك القضايا ومعالجتها، أو من أولئك المتابعين للشأن العام من الكتاب والمحللين، فيما يتناولونه من تحليلات ومعالجات بنّاءة لما يواجهنا من تحديات في قضايانا، وعليه فإجراء لقاء مباشر بين المسؤولين وتلك الشرائح هو من الأهمية بمكان، لتوضيح كثير من الملابسات والتفسيرات التي قد تكون غائبة ومبهمة تفصيلاتها في الإعلام العام.

وتشكل القطاعات التنموية المتصلة بالموارد البشرية أحد أهم الموضوعات التي تستحوذ على المتابعة، لكونها الجهات المؤسسية المسؤولة عن تحقيق تطلعات المواطن، وتلامس احتياجاته ومشكلاته التي يواجهها في حياته، سواء ما يتصل به شخصيا، أو ما يتعلق بأسرته أو من حوله باختلاف احتياجاتهم.

ويُعدّ قطاعا التعليم والعمل من أهم القطاعات التنموية التي تؤثر في حياة أفراد المجتمع، لدورهما الأساسي في تكوين موارده البشرية بناء وإنتاجا، إذ يتحمل التعليم مسؤولية بناء العقول والنفوس، بما تتضمنه علومه من معارف، وما تسهم به في بناء المبادئ والقيم وتوجيه السلوك العام، بينما يتحمل العمل مسؤولية تنظيم وتوجيه سوق العمل، نحو تحقيق المتطلبات والتطلعات التنموية، فيما يتصل بموارده البشرية وقاعدته الاقتصادية.

ولأهمية تلك القطاعات في تنمية المجتمع فإنها معنية بخلق قنوات تواصل مستمرة مع المواطنين، بهدف تلمُس تطلعاتهم ومعالجة إشكالاتهم، في إطار المسؤولية المنوطة إليها، وبما يسهم في توضيح الملابسات وتذليل التحديات التي يواجهها المجتمع، من خلال التفسير المقنع الشفاف، والشرح لما تنتهجه الجهة المسؤولة من سياسات وما يصدر عنها من تشريعات وقرارات، تؤثر في معظم شرائح المجتمع.

في إطار استشعار تلك المسؤولية، سعُدت منذ بضعة أيام بدعوتي للقاء وزير التعليم مع نخبة من الإعلاميين، والذي أتاح لنا الوقوف عن كثب على طرح شفاف لقضايا عالقة، وتوضيح لتفاصيل منجزات وتطلعات، وشرح لأسباب بعض التحديات والإشكالات القائمة، وبما يشير إلى أن هناك وضوحا في الرؤية عن المتطلبات المأمولة والاختلالات القائمة في منظومة التعليم، وإلى وجود عمق في الإدراك لتفاصيل معلوماتية وإحصائية، تؤكد المتابعة اللصيقة والاهتمام المباشر لجميع ما تحتويه المنظومة من مقدرات، وما تحتاجه من إستراتيجيات في إدارة مسؤولياتها المتشعبة.

تناول الوزير كثيرا من مسؤوليات الوزارة وجهودها في متابعة وتطوير منظومة الوزارة من كيانات إدارية وموارد بشرية، وما تسعى إليه من تحديث وتطوير للوائح وتشريعات وأنظمة تجمدت، لضبط مسيرة العمل وتحسين جودته، وتحقيق مزيد من الإنجاز في مهام الوزارة.

وأورد الوزير في مجمل حديثه بعض التفاصيل عن قضايا يدور حولها نقاش وتساؤلات عامة، كعلاوة المعلمين وترقياتهم وفق معايير مطلوبة، واختبارات قياس للمعلمين لتحصيل الرخصة، والاختبارات الدولية ونتائجها المعلنة وما يتصل بذلك من مؤشرات وإجراءات، وبرنامج سفير2 وطبيعة إشكالاته وأسبابها ومستهدفاته المتقدمة، علاوة على اهتمام الوزارة ومتابعتها المنشآت التعليمية المستجدة منها والمستهلكة، وما يتطلبه ذلك من إجراءات إصلاحية أو تنفيذية لمشروعات متوقفة، بالإضافة إلى اهتمام الوزارة بتنفيذ برنامج الطفولة المبكرة والتوسع فيه، ليشمل المناطق كافة تدريجيا، وتغيير منهجية المرحلة الثانوية ونظامها الدراسي، لتكون أكاديميات بمسارات تخصصية مختلفة، تمهيدا لتخصصات أكثر عمقا في المرحلة الجامعية، أو كدبلومات تكميلية في كليات المجتمع.

فيما يتعلق بالتعليم العالي، تناول الوزير إشكالات الكليات ومخرجاتها، كالتربية والتميز والتقنية، وغيرها من الكليات التي تحتاج إلى سياسات متجددة، بما يتلاءم مع مستوى عطائها وجودة مخرجاتها وأهمية وجودها، وتحدث عن واقع الجامعات المُستجِد، في إطار النظام الجديد بما يتضمنه من مسارات متعددة التخصصات للجامعات، بما يسهم في تحقيق جودة المخرجات، كما نوه إلى أهمية توجيه القبول وزيادة سعته في التخصصات التي تخدم سوق العمل، كالطب والتقنية والعلوم المعاصرة، وما يتطلبه ذلك تباعاً من ضبط لأعداد المقبولين في التخصصات الأخرى، علاوة على تطوير كليات المجتمع لتحتوي نسبة كبيرة من مخرجات الثانوية، تسهم في توفير البنية التحتية البشرية لسوق العمل.

وعلى الرغم من تضخم مسؤوليات الوزارة وتشعب مكوناتها، وما تتحمله من إرث ثقيل في مضمونه، ثري في مشكلاته وتحدياته، إلا أن المُعلم والطالب يستحوذان على عمق اهتمامات الوزارة، باعتبارهما أس العملية التعليمية، والذي دفع بالوزارة لعقد دورات تطويرية وورش عمل، بهدف تعزيز مكانة المعلم والارتقاء بعطائه وتمكينه من تطبيق متطلبات التعليم الحديث، بهدف تحقيق عملية التحول المنهجي والفكري للطالب، والانتقال من طرق التلقين والحفظ في التعليم، إلى أسلوب البحث والتحليل والربط بين المعلومات، بما ينعكس على جودة المخرجات، والدفع بالطالب نحو الابتكار والإبداع في الإنتاج العلمي، وبما يحقق نقلة نوعية في مسيرتنا التعليمية.

اللقاء مع مسؤول يمثل القيادة العليا للمؤسسة له إيجابياته الكثيرة وأهميته، سواء فيما يتم توضيحه عن قضايا تشكل أهمية للمجتمع في تطلعاته، أو ما يدور حوله النقاش من قضايا، أو في التفاعل مع التساؤلات والاستفسارات المتصلة بكل القضايا، التي ما زال الجدل واختلاف الرؤى قائما حولها، سواء ما تم إقراره رسميا، أو ما يتم اتخاذه من سياسات وإجراءات نحوها.