العنوان به من التناقض ما يجعله غير مفهوم، فكيف للطرقات أن يكون لها موسيقى، وكيف للنظافة أن يكون لها مهرجون، وكل منهما عمل له من الأهمية ما يجعله بعيدا عن الإبداع.

ولكن، في مقطع انتشر من أحد بلاد «الخواجات»، وعلى أحد الطرق السريعة، ورغم أن بالطريق ما يشغل مشغّليه حتى عن «أن يحكوا رؤوسهم»، إلا أن أحدهم وضع شعارات موسيقية على طرفي الشارع، وما إن تستغرب وجودها، حتى تعلم ما يُقصد بها. وضع هذا المشغل العلامات التنبيهية لحدود هذا الطريق، بشكل يجعلها تصدر أصواتا موسيقية مشابهة لأصوات السلم الموسيقي، خلال مرور عجلات المركبات على التنبيهات التي نسقت بطريقة مبتكرة، تجعلك تمر على الشارع والابتسامة «تشق وجهك».

وبعيدا عن هذا الشارع، وقريبا من عقل مشغله الإبداعي، انتشرت صورة لطفل يرقد في مستشفى لأورام وسرطانات الأطفال بـ«أوكرانيا»، يلتفت جهة النافذة الزجاجية لغرفته، ويرتسم على ما ظهر من وجهه المغطى بـ«كمامة»، علامات بهجة، بعد رؤيته عمال نظافة في معلية تلميع الزجاج الخارجي لمستشفاه، وقد استبدلوا ملابسهم التقليدية، بملابس مهرجين وشخصيات كرتونية لأبطال ينقذون العالم من الدمار أمثال «سبايدر مان» و«هذاك مدري وش اسمه، بس له قرنين سود». المهم أننا نعمل بكد يجعله المجهود المضاعف والقدرة المهدرة، يتحول إلى نكد ينعكس على علاقاتنا وتصرفاتنا مع من حولنا، دون أن نلحظ ذلك، ولكنها يوما بعد يوم تجعلنا نؤدي العمل لمجرد القيام به، وتصل بنا إلى تأدية أعمالنا الجوهرية المنوطة بنا على مبدأ «هذا شغلي عجبك ولا شف غيري»، حتى ولو لم يكن هناك غيري في هذا المكان.

ولكن ابتسامة أو كلمة لطيفة أو حتى رؤية وجه طفل بريء حضر مع ذويه إلى مقر عملنا، قد تبعث فينا النشاط من جديد، وتجعلنا نعمل بطاقة كانت قد نفدت قبل تغير هذا «المود».

فما بالك لو وجدنا من يقوم بأعمال تمسّنا بشكل مباشر يوميا، كرجال المرور، وعمال النظافة، أو حتى «قهوجي» العمل، يضيف إلى عمله لمسة إبداعية تجعلنا نبتسم، فينتشر في أجسادنا هرمون السعادة، تزيد همتنا، فننجز أعمالنا ويصل بنا الحال إلى أننا -كذلك- أضفنا لمسات إبداعية في مكاتبنا المكتئبة والرمادية، فبعثنا هرمون السعادة فيمن أجبره حظّه على مراجعتنا أو حتى مزاملتنا، فأصبح الكل يعمل بسعادة وبعقول إبداعية أكثر من عقول تبحث عن الرقمية والكمية، فكيف ستكون حياتنا.

نظرة للسماء: إن مللت القيام بأعمال التكليف، فجرّب القيام بأعمال المحب، وبين شتات هذين الطرفين، ستعي ما معنى كلمة «المحب لا يمل».