أريد أن أكون مع الحقيقة كيفما كان مصدرها، ومع الإنسان أولا، وقبل كل شيء. من ذا الذي لم يلحظ عند خروجه للتسوق في المجمعات التجارية، أو يشاهد مجموعة من الشباب الذين يقفون أمام الأبواب، وأحدهم يستجدي حراس الأمن؟

فحاجتهم للدخول يراها حارس الأمن خللا، وهم يرون في الدخول إلى المكان الذي يرتاده الكبار والصغار وجميع الفئات العمرية حقا مؤكدا، ويتساءلون لماذا يمنع الشاب الذي ليس لديه أسرة من هذا الحق، وهل كونه شابا يجعله محلا للشبهة؟

هل نحاسب معشر الشباب بجريرة من نهج سلوكا مشينا ممن سبقونا في أحد هذه الأماكن، فعمم شر هذا المسيء على الذين لا ذنب لهم ولا جريرة، سوى أنهم يعبرون هذه المحطة العمرية من محطات حياتهم؟

مرحلة عمرية من حياة الإنسان الحاجة فيها أشد إلى الترفيه والنشاط الذي يمكن أن يجده في هذا المكان..لا أعلم حقيقة لماذا نجنح إلى أعلى درجات العقوبة في السلم بدلا من التدرج فيها؟وبناء على هذا نمنعهم من الدخول بدلا من السماح لهم مع تطبيق النظام على من ينتهكه أو يتجاوز عليه، ومن هنا فإن المنع أو العزل أسلوب قاصر، فهذا لن يساعد على خلق شخص متحمل للمسؤولية ويستشعر قيمة النظام له وللمجتمع.

دمج الشاب كجزء من الأسرة والمجتمع، مع تطبيق القانون هو الحل الأنجح، وليس عزله وتركه يمكث بالساعات أمام أبواب المجمعات، وفي الشوارع المجاورة. لماذا لا ننظر إلى أن دخوله لاحتساء القهوة مع صديق، أو لتناول وجبة العشاء من أحد المطاعم في تلك المجمعات التجارية، أو لشراء بعض المستلزمات الشخصية؟ كم نتمنى انتهاء ثقافة عش بمعزل عن المجتمع كي نتقي أي تبعات.

قد يُفعل هذا لأنه الإجراء الأسهل بدلا من تطبيق لائحة النظام التي تنظم حياة المجتمع، وتساعد على تحريك عجلة التنمية والتقدم، وتعود بالفائدة على الفرد والمجتمع على حد سواء، وليت من يرى هذا المنع يتذكر أن هناك شابا يعيش بعيدا عن أسرته، وآخر في سفر يحتاج أن يتسوق، أو الترفيه في هذه الأماكن، وقد يقابل الشاب السليم صاحب الهدف السليم بالخذلان ويتم سؤاله هل لديك أسرة؟ وكل شاب لديه أسرة، ولكن الإجابة الصحيحة عنده أن أهلي يعيشون في منطقة أخرى، وأنا أعمل هنا من فترة من الزمن وقدمت الآن لشراء بعض المستلزمات، أو لتناول وجبة طعام، ولكن مسؤولي الأمن في المركز التجاري، إما بناء على توجيه إدارتهم، أو يكون ذلك اجتهادا شخصيا منهم، وقد يحملونها لإدارة متقاعسة لا تتابع، أو قد ترى أن دخول أي شاب سيترتب عليه ما لا يريدون، إضافة جهد أكثر، فهم في هذا المجمع لا يهمهم سوى إغلاق جميع المنافذ التي قد يترتب عليها زيادة جهد وعمل، وهنا نحول الشاب المرفوض إلى ناقم يلقي أحيانا بالألفاظ والشتائم على الحارس، وقد يرى أنه منبوذ من مجتمع كان الأولى به أن يجعله محور كل فعل وعمل، وأن يحتويه ويوجهه، فهؤلاء الشباب هم الأبناء والإخوان، وهم وقود المستقبل.