يبدو أن الوضع النفسي الذي يمر به حسن (نصرالله جزافا) هذه الأيام لا يبـشر بخير، فقد بدا في كلمته التي ألقاها بمناسبة مرور أسبـوع على مقتل قاسم سليماني متشنجا متوترا فاقدا للوقار الذي كان يحاول إضفاءه على نفسه طوال السنوات السابقة، وظهر مستجديا التعاطف ومذكرا شعوب المنطقة (بالجميل) الذي زعم أن إيران قد أسدته إليهم، وقد يكون الرجل معذورا فالضغوطات التي يتعرض لها (محور المقاومة) في المنطقة أربكتهم بشكل واضح، من خلال إدارتهم المتعثرة للأزمة الراهنة ومواقفهم المترددة في المنطقة، لكن أن يصل الوضع بحسن إلى أن يهلوس فهذا ما لم نكن نتوقعه، رغم أن المكوث في سرداب لمدة خمس عشرة سنة قد يبلغ بالإنسان مبلغا قريبا من الهلوسة وحتى من الجنون.

الفرق بين حسن نصرالله 2020 وحسن نصرالله ما قبلها فرق شاسع، فالإصبع التي تعود على رفعها في كل خطاباته السابقة مهددا بها القاصي والداني، ارتخت هذه المرة ولم ترفع طوال الساعة ونصف الساعة من حديثه، بعد افتضاح أمرهم، وبيان سوءاتهم، وضعفهم أمام ما يسمونه الاستكبار العالمي، فقد نجح ترمب في ترويض محور المقاومة. على العموم فإن إقلاع حسن عن عادة التهديد بالأصبع يصب في صالحه، فكل الإسلاميين (السنة والشيعة) الذين تعودوا على الخطابة وتهديد المقابل برفع السبابة كان مصيرهم مأساويا، ابتداء من ابن لادن ومرورا بقادة طالبان وانتهاء بأبي بكر البغدادي، والإصبع هذه أصبحت فألاً سيئا ووبالاً عليهم.

ذكر حسن في معرض كلامه عن (مآثر) قاسم سليماني كيف أن إيران كانت الطرف الأول الذي عرض المساعدة على كوردستان لمواجهة داعش، مذكرا الرئيس مسعود بارزاني بزيارة قاسم سليماني الذي عرض على سيادته مساعدة إيران له لمواجهة داعش، وذكر أن سيادته كان خائفا.

هناك قاعدة في علم النفس تقول إن الإنسان يقيم الآخرين قياسا على ما يحسون به، وهذا ينطبق تماما على حسن الذي ظل طوال الخمس عشرة سنة ولغاية يومنا هذا خائفا ومرعوبا، يتنقل في بيروت من سرداب إلى سرداب خوفا من استهداف إسرائيل له، للحد الذي لم يعد بإمكانه الظهور لمؤيديه بشكل مباشر إلا من وراء حجب، وفي تسجيلات يتم عرضها فيما بعد على شاشات مخصصة لهذا الغرض.

إن الرعب الذي يعيشه حسن هو نفس الرعب الذي أدى بإيران لقصف الطائرة الأوكرانية وإسقاطها نتيجة الهلع والارتباك الذي انتابهم وهم يقصفون مواقع يتواجد فيها جنود أمريكان في العراق، وللمرة الأولى نشهد أن يكون طرفا مبادرا هو بالهجوم على هدف ما يعاني ارتباكا وهلعا إلى هذا الحد، لذلك فيبدو أن حسن خذلان الله قاس الرئيس بارزاني على مقاييسهم (الجهادية) تلك.

ليس من المنطق أن يكون شخصا بمقاسات الرئيس بارزاني، والذي قضى معظم حياته في حالة ثورة وقتال مع الأنظمة العراقية المتعاقبة، متحديا مدافع جيوشها وطائراتها و(صواريخها) أن يهتز عزمه أمام أجلاف ورعاديد داعشية. ولا أتصور أن حسن ينسى أن الجيش العراقي الذي لم يهزم مسعود بارزاني هو نفسه الذي لم تستطع حليفته إيران الانتصار عليه طوال ثماني سنوات من الحرب معها.

لسوء حظ وتقدير حسن فقد تناول حدثا عاصرناه جميعا وعشناه، وهو الحرب على داعش، ومن الصعب عليه تلفيق الأكاذيب حولها، فأحداثها معروفة للقاصي والداني، ومعروف أن الرئيس مسعود بارزاني هو الوحيد من بين قيادات المنطقة في سورية والعراق الذي كان حاضرا بنفسه مع البيشمركة في الخنادق الأمامية لقتال داعش، وهو يدافع عن كردستان. العذر الوحيد لحسن خذلان الله أنه كان قابعا تحت الأرض على عمق أمتار لا يعلم بما يحصل خارجه. إن حديث حسن بمناسبة مرور أسبوع على مقتل قاسم سليماني كان من ناحية أخرى حديثا تأبيـنيا لمشروع محور (المقاومة) التي كانت تملأ الأرض زعيقا وضجيجا قبل 2020، ولذلك فليس من الغـريب أن يشـطح زعيم هذا المحور المزعـوم في كلمته تلك ليخفي من ورائه الاندحار الذي أصابهم بعد ضربة أمريكية واحدة فقط، أجبرتهم على البحث عن مخرج مناسب يحفظ لهم ماء وجههم جراء الهزيمة النكراء التي أصابت مشروعهم في المنطقة.