إن سياسة الأمير تركي في إدارة الملف الاقتصادي للمنطقة يتطابق مع المنهج العام الذي يعمل به في القضايا الإدارية والتنظيمية والأمنية والاجتماعية وغيرها، بمعنى أن البداية كانت خلال قراءة عامة للمشهد الاقتصادي في المنطقة، بما في ذلك الاستثمار بالمجالات المختلفة، والتحديات التي تواجه المستثمرين ونظرة الجهات التمويلية والمانحة.

حلول أشمل

تزامن مع ذلك، متابعة قضايا على أرض الواقع أكدت وجود خلل يحتاج إلى إيجاد حلول أشمل من الحلول الآنية، ثم بعد ذلك الالتقاء بجميع الجهات ذات العلاقة، واستيعاب ما لديها من مشكلات وحلول مقترحة‏، ومواءمة ذلك مع إستراتيجية عسير خلال إعدادها، والتي لم تعتمد حتى الآن، إذ إنها ترتكز على 3 محاور أساسية، أحدها الاقتصاد المبني على طموحات الناس وآمالهم من جهة، وعلى أهمية هذا العنصر في رفع إسهام المنطقة في الناتج المحلي للمملكة العربية السعودية.

خطوات أولية

كان لزاما، ولتعديل الصورة الذهنية السيئة عن بيئة الاستثمار بعسير، عمل بعض الإجراءات السريعة كخطوات أولية لعمل مؤسسي مرتبط بالجهات الحكومية وهيئة التطوير والهيئات الحكومية وغير الحكومية، ومن تلك الإجراءات:

01 عقد شراكة مع الهيئة العامة للاستثمار، لجذب وتسهيل تمويل المشروعات الكبرى في مجالات السياحة والصناعة والتعدين، إذ إن الهيئة العامة للاستثمار تهتم بالمشروعات ‏العملاقة. وقد بدأت اللجان المشكلة من الطرفين العمل -كلٌّ فيما يخصه- ومن الطبيعي أن نتائج هذه الشراكة ستحتاج إلى وقت حتى ترى النور، نظرا لطبيعة ونوعية الاستثمارات المستهدفة.

02 مركز خدمة رجال الأعمال، إذ تم اعتماد مركز خدمة سريعة لرجال الأعمال والمستثمرين في أمانة منطقة عسير، يستطيع الجميع خلاله ‏الحصول على المعلومات المطلوبة، ومناقشة جميع الجهات الحكومية والغرفة التجارية، والحصول على التراخيص ومعرفة الإجراءات، إذ إن جميع الجهات ممثلةٌ في هذا المركز الذي سيسهم في تسريع وتجويد الخدمة، وسيخضع المركز للتطوير الدائم، إذ إن سمو أمير المنطقة وسعادة أمين عسير ‏يتابعان أعماله بشكل مستمر، ويستقبلان ملاحظات رجال الأعمال، إن وجدت.

03 حل المشكلات والعوائق الحالية، والتي كانت تعانيها بعض المشروعات الحيوية بالمنطقة، وذلك خلال فك الاشتباك بين الجهات التي كانت تعرقل المشاريع، إذ إن بعض الجهات كانت ترى الموضوع من زاوية واحدة ‏فقط دون النظر إلى الصورة الكلية، وأكبر دليل على ذلك هو مشروع المدينة العالية الذي تعثر استكماله أكثر من عامين، ثم جاء الحل الشامل خلال خطاب واحد وجّهه سمو أمير المنطقة إلى جميع الجهات التي قامت بالعمل كفريق واحد لإزالة المعوقات وتنفيذ المطلوب، ‏وبالفعل بدأ المشروع بالعمل كما شاهد الجميع.

04 دعوة رجال الأعمال لعرض الأفكار الرئيسية لإستراتيجية تطوير عسير عليهم، وإشراكهم في وضع التصور لمستقبل المنطقة الاقتصادي، وأهم من ذلك هو التأكيد لهم أن إستراتيجية الاستثمار بمنطقة عسير تبدأ بحماية المستثمرين ورؤوس أموالهم، ‏ومساعدتهم في اقتناص أفضل الفرص المناسبة لهم وفي الوقت المناسب، وليس سرّا أن أقول إن كبار رجال الأعمال والمستثمرين في المملكة والخليج ممتنون كثيرا لأمير المنطقة، الذي وعدهم بالدعم وطلب منهم التريث حتى تتضح الصورة النهائية للإستراتيجية في عسير، وتأتي الموافقة النهائية من ‏المقام السامي على اعتمادها، ثم الإعلان عنها.

نهضة اقتصادية

لنتحدث بكل صراحة وشفافية، فسمعة المنطقة لدى المستثمرين فيما مضى غير جيدة، وكثيرون يستخدمون العبارة الشهيرة «عسير بيئة طاردة»، وبعد تشرف الأمير تركي بن طلال بالثقة الملكية، وتعيينه نائبا لأمير ‏عسير، ثم أميرا للمنطقة، فمن الطبيعي أن يتبادر إلى أذهان رجال الأعمال والمستثمرين أن الحاكم الإداري -وكجزء من مهمته- أن يدعو أصحاب رؤوس الأموال للاستثمار في منطقته. أما أن يقوم أمير المنطقة بإبلاغ المستثمرين الكبار بأن عليهم الانتظار حتى يتضح اتجاه بوصلة الاستثمار في المنطقة، ‏ثم يبلغهم بأنه شخصيا مسؤول عن حماية استثمارهم، فهذا غير مسبوق، ولذا فإنني متفائل جدا بأننا مقبلون على نهضة اقتصادية على مستوى منطقة عسير بأكملها، وليس في المدن الرئيسية فقط.

فكر شامل

بقي أن أقول، إن الفكر الشامل والرؤية الكلية التي يحملها ويؤمن بها الأمير تركي بن ‏طلال للمنطقة، والتي استطاعت ربط المنطقة ببعضها إداريا وجغرافيا واقتصاديا واجتماعيا، حتما سترى التغيير للأفضل -وبشكل أسرع من المتوقع- وقد أثبتت الأيام الماضية أنه بالإمكان عمل التغيير خلال الأدوات المتاحة والميزانيات المرصودة، حتى لو كانت بسيطة. ‏

‏ولعلي أختم بالإشارة إلى المشروعات المهمة التي أُعيد العمل بها، وهي: مطار أبها الذي تعثر سنوات طويلة، وتمت -ولله الحمد- إعادة المشروع إلى مساره الصحيح، وكذلك مشروع المدينة الصناعية عسير2، والتي تتأهب للانطلاق قريبا، إن شاء الله، بعد تخصيص الموقع المناسب وحمايته من التعديات، كما أنني لا أنسى مشروعات المشهد الحضري ‏التي تقودها أمانة عسير مع 33 بلدية، وبمشاركة هيئة التطوير، والتي بدأ العمل بها على أرض الواقع.

الحراك الاقتصادي والتنموي يجوب جميع محافظات ومدن منطقة عسير، وبمشاركة شباب وشابات المنطقة، في الإعداد لورش العمل والإسهام فيها وكذلك الإسهام في أعمال التطوع وتنظيم المؤتمرات، وغيرها من الأعمال التي أحالت المنطقة باسرها إلى ورشة عمل كبيرة.

باسم ‏2,300,000، وهم سكان عسير، وباسم مئات الآلاف من أبناء المنطقة الذين غادروا في العقود السابقة، بحثا عن جودة حياة أفضل، وباسم الملايين من زوار منطقة عسير، نقول: شكرا تركي بن طلال، بارك الله في جهودك وجزاك عنا جميعا خير الجزاء.

حقيقةً، إن التعبير يقف حائرا عن الشكر، وعن إيجاد الكلمات المناسبة التي تفي الأمير تركي ما يستحقه من الثناء‏. حمى الله بلادنا، وأدام وأطال عمر مليكنا خادم الحرمين الشريفين، ووفق ولي عهده الأمين، صاحب الرؤية والعزم والمهمة التي لا تعرف اليأس ولا الكلل.

عضو مجلس منطقة عسير الدكتور عبدالرحمن أحمد آل مفرح