بسلام تام رحل السلطان الثامن، لسلطنة عمان، السلطان قابوس بن سعيد بن تيمور البوسعيدي، الحفيد السادس لجده الإمام أحمد بن سعيد، المؤسس الأول لأسرة آل بوسعيد، إحدى أقدم الأسر العربية الحاكمة بصورة متواصلة، والتي انقضى على توليها زمام الحكم في البلاد 276 سنة.

أرسله والده السلطان سعيد بن تيمور لبريطانيا، وعمره 18 سنة، ودرس العلوم العسكرية هناك، وفي ألمانيا، ثم قرر له رؤية العالم باختلافاته وتنوعاته، فزار باريس وروما وأثينا والهند واليابان، وفي بومباي التقى بجده السلطان تيمور، الذي تنازل عن العرش وأقام هناك، وواصل الجولة لهاواي وسان فرانسيسكو ونيويورك، ثم عاد لبريطانيا، واستقر مدة مكنته من التعرف على التنظيمات الإدارية والاقتصادية وغيرها، ثم عاد لبلاده، وأقام تحديدا في (صلالة) ليتعمق في دراسة العلوم العربية والإسلامية والتاريخ، وفي أحد أهم أحاديثه يختصر، رحمه الله، مراحل حياته بقوله: «كان إصرار والدي، على دراسة ديني وتاريخ وثقافة بلدي؛ له عظيم الأثر في توسيع مداركي ووعيي بمسؤولياتي تجاه شعبي والإنسانية عموماً، وكذلك استفدت من التعليم الغربي وخضعت لحياة الجندية، وأخيراً كانت لدي الفرصة للاستفادة من قراءة الأفكار السياسية والفلسفية للعديد من مفكري العالم المشهورين»؛ وهو مختصر يفسر للمتابعين كيف أنه استطاع الوفاء بوعده الذي قطعه على نفسه للإنسان العماني: «سأعمل بأسرع ما يمكن لجعلكم تعيشون سعداء؛ لمستقبل أفضل»، من خلال إصلاحات ومنجزات ضخمة في مختلف الميادين السياسية والاقتصادية والعسكرية والاجتماعية والثقافية، صنعها طيلة نصف قرن..

الفقد الكبير للسلطان قابوس، يعيد للذهن كيف أن (عمان) قبل عام 1970، كان لا يوجد لها تمثيل دبلوماسي إلا مع 3 دول فقط هي بريطانيا والهند وباكستان، وعندما تولى حكمها اعترفت به الحكومة البريطانية، ثم المملكة العربية السعودية، ثم تتابعت بقية الدول، كما يعيد الفقد للذاكرة أيضا قيادته، طيب الله ثراه، للقوات المسلحة، وجعلها درعا واقيا، وعينا ساهرة، مكنتها من الانتصار الذائع الصيت عام 1975، على ثوار (ظفار) الشيوعيين، واهتمامه بشتى اتجاهات الحضارة، ورعايته للفكر بالعلم، وللعقل بالوعي، وللنفس بالأمل والأمن، ورسمه البهجة لأبناء شعبه، والانتهاض بهم لتحقيق ما يصبون إليه من عزة وسؤدد وحرية وكرامة ورغد وعيش كريم، مع دعم واسع وشخصي للعديد من المشروعات الثقافية، محليا وعربيا ودوليا..

القناعة بحكمة الراحل الكبير ونظرته الواسعة، والتقدير والتعزيز لمكانته، رافقته حتى بعد فراقه الدنيا، وهو ما عبر عنه مجلس العائلة المالكة في (عمان) من خلال موافقته على تثبيت الرسالة السرية لباني النهضة العمانية الحديثة، عن السلطان الذي توسم فيه ما يؤهله على تولي الحكم بعده، منذ 24 سنة، وهو السلطان هيثم بن طارق بن تيمور، ومبايعتهم له، ومن خلفهم تمنيات العمانيين ومحبيهم لجلالته، وللشعب العماني باطراد التقدم والازدهار.