من القضايا الأسرية المهمة التي كانت تواجه العاملين في مجال الحماية الاجتماعية منذ نشـأتها عام 2004، تحت مظـلة وزارة الشـؤون الاجتماعية «سابقا»، ووزارة العـمل والتنمية الاجتماعية «حاليا»، إلى جانب قضايا العنف، هي قضايا التغيب والعقوق، إضافة إلى قضايا كفاءة النسب، وزواج الصغيرات، والعضل، وما يصاحبها من عنف يتدرج حتى العنف الشديد من بعض الأهالي تجاه بناتهم وأبنائهم!.

لم تكن إجراءات التدخل حينئذ واضحة تجاه ذلك، لعدم وجود نظام واضح يحدد الآليات المناسبة في كيفية التعامل مع تلك القضايا!، ولكن القرارات العدلية الأخيرة عالجت بعضا من هذه القضايا لخطورتها «مثل قضايا العضل وزواج الصغيرات»، وغيرها من الحقوق الشرعية للمرأة، ولم يحتج الأمر إلى دراسات أو لجان يطول أمرها حتى تصدر مثل هذه القرارات العدلية التي أنصفت كثيرا من النساء، خاصة في مجال الأحوال الشخصية!.

ولكن من واقع المعايشة السابقة لتلك النماذج المختلفة من هذه القضايا، أولت وحدات الحماية الاجتماعية ُجلّ اهتمامها للرفع عن «قضايا التغيب» مثلا إلى الجهات الأمنية، والتي كانت تعد التغيب جريمة تستوجب التوقيف، خاصة بالنسبة للنساء، بغض النظر عن أسباب ذلك التغيب!، ولكن -ولله الحمد- بعد صدور نظام الحماية من الإيـذاء عام 1434 بمواده الـ17 التي تضمنت إجراءات واضحة لحماية المتعرضين للإيذاء بأنواعه ودرجاته المختلفة، وبمراجعة بسيطة من المهتمين بقضايا التغيب، والذين لا يبحثون عن الجهود الحقيقة المبذولة من الجهات المعنية بها، فإن «المادة الثامنة» من النظام تناولت في اللائحة التنفيذية الآتي:

«إذا وجد بلاغ تغيب أو هروب على الحالة، يتم قبولها وإشعار الجهة الأمنية الصادر منها البلاغ بوجودها، وتبلّغ أسرتها أيضا، ولا تنقل إلى السجن إلا إذا ثبت بعد التحقيق ارتكابها جريمة أو صدر أمر من القاضي بذلك».

وقد أسهمت وحدات الحماية في إيقاف بلاغات تغيب مرفوعة من الأهالي في مراكز الشرط، بعد وقوفها على حقيقة العنف الواقع على الأبناء، وقد لاحظت -أيضا- وحدات الحماية بعد تدخلها في كثير من القضايا الأسـرية، وإنصـافها الأبناء أو البنات المتعرضين للعـنف، بأن الأب أو الأم يتجهون إلى رفع دعاوى عقـوق لدى الجهات الأمـنية التي تحيلهم إلى «النيـابة العامـة»، فيتم إيقـافهم رغم وجود شكاوى سـابقهم لهم لدى وحـدات الحماية، وهذا -بلا شـك- يُشّكل صدمة نفـسية أقوى وقعا عليهم من حادثة العنـف نفسها، مما دفع وزارة العمل والتنمية الاجتماعية في الآونة الأخيرة إلى الـرفع للجهات المختـصة مثـل «الداخـلية، العدل، النـيابة العامة» بالمشاركة، بوضع آلية تخص أي بلاغ أو شكوى يصل إلى مـركز بلاغات العنـف الأسري، يعقبه دعـوى عقوق أو تغيب بأن تتم إحالته إلى وحدات الحماية الاجتماعية، لدراسة وضـعها حسب نظـام الحماية من الإيذاء، وهذا - لا شك - سيــسهم في الحـدّ من التداخل في الأدوار بين هذه الجهات المعـنية بقضـايا العـنف والتغيب والعقوق، وسيكون فاعلا في الحد من استغلال بعض الآباء والأمهات مثل هذا الـتداخل في ظلم أبنائـهم وبناتهم أكثر، والتسـبب في خلق الروح الانتقامية داخـلهم رغما عنهم.