نشرت مواقع التواصل الاجتماعي قبل أسابيع خبرا مفاده أن مجلس الشورى يخرج عن صمته ويخاطب حقوق الإنسان: الجهات الحكومية تستخدم قانون وعقوبة الجرائم المعلوماتية منع المواطنين من انتقادها وتقييم أدائها، بالرغم من أنه حق أساسي مكفول لهم في الشريعة والأنظمة المحلية والاتفاقيات الدولية. في الحقيقة هذا الخبر ليس بغريب، فكثيرة هي التوجيهات التي تصدر من القيادة بشأن ضرورة تفاعل المسؤول مع ما يكتب في الصحافة المحلية، وأهمية تجاوب المسؤولين وصنّاع القرار بمختلف مهامهم ومناصبهم في مختلف وسائل الإعلام، مثل هذه التوجيهات تؤكد أيضا على أن تكون العلاقة تكاملية، تتسم بالوضوح والشفافية بين الطرفين، أي بين الصحافة والمسؤول، وكل ذلك يصب لمصلحة هذا الوطن العزيز في التنمية الشاملة، والنهوض بمستوى الخدمة المقدمة للمواطن.

اللافت أن بعض مغردي وسائل التواصل الاجتماعي يتحدثون عن أهمية عدم تغطية وسائل الإعلام للتشوهات في أداء بعض مؤسساتنا العامة، لكي لا يتصيدها الإعلام المعادي لنا، ويشوه بها صورتنا وسمعة ديننا على طريقة «وش يقولون الناس عنا»! إنه رأي غريب، وهذا يستدعي السؤال: وهل هذا المثل العرفي أهم من الحرص على حقوق المواطن وسلامة أداء مؤسساتنا الوطنية! منذ متى كانت الدول المتقدمة تجمل نفسها وصورتها لواقع مشوه؟ هل سمعت يوما أن دولة بحجم الصين مثلا كانت تهتم وتركز بتجميل صورتها عند الغرب؟ نعم كانت تسوق لصورتها الحقيقية من أجل استقطاب الاستثمارات وليس ترويجا لصورة مزيفة.

إذن، وعليه من يزعم بأن وسائل الإعلام المحلية عندما تقوم بتغطية الأحداث المحلية، وتفعل قيمة النقد لبعض الأجهزة الحكومية فإنها بذلك تتعمد تشويه صورتنا وواقعنا، هو في نظري مستفيد من هذا التشوه للواقع المعاش، إذ سيفقد بتحسينه كثيرا من المكتسبات في ظل واقع طبيعي.

والمفارقة الأخرى أن بعض المغردين يتكلمون عن خطر الإعلام الغربي، وأنه عدونا اللدود، وفي الحال ذاته يتهمون الإعلام المحلي بتشويه صورتنا لدى الغرب، وأنه من المهم تحسين الصورة والسمعة حتى ولو كانت على حساب الواقع وضد مصلحة المواطن، ما هذا المنطق؟!

نحن الآن نعيش في 2020، هذه الحقبة تتحرك بوتيرة متسارعة لم نعتد عليها، والحرية الصحفية والانفتاح الإعلامي واحدة من أهم هذه التغييرات التي بدأت تنعكس على أرض الواقع، وتنقل بكل أمانة ما يحدث من تجاوزات وتعديات على حقوق الإنسان والمواطن من بعض المؤسسات والأجهزة الحكومية، وهذا يعود لحرفية كثير من الكتاب الصحفيين السعوديين، وإيمانهم بدورهم الوطني الحقيقي في كشف الحقيقة والبحث عن مكامن الخلل والقصور، هذا هو الصحفي الذي يرصد ويوثق الواقع كما هو، دون مبالغة أو تضخيم أو تطبيل. الإعلام الحقيقي هو الذي يمارس الدقة والشفافية، ويغلب المنطق والعقل ولم يطلق عليها السلطة الرابعة إلا لكونها الصدى الحقيقي للمجتمع، وضميره الحي، أما التلميع وتزييف الحقائق تحت دعاوى السمعة والصورة فهذا محط هراء لم يقل به أحد.