كشف سفير خادم الحرمين الشريفين لدى الإمارات تركي الدخيل عن خطة ممنهجة وضعها ويتبعها المحور المضاد لمحور الاستقرار السعودي الإماراتي، تركز على الترويج لخلافات وهمية ومحاولة الوقيعة بين البلدين، مركزة على التحوير والتلاعب بالحقائق. جاء هذا الكشف خلال وضع الدخيل النقاط على حروف «العلاقات السعودية ـ الإماراتية في ضوء التحديات المشتركة»، وذلك في الكتاب الذي أصدره مركز الإمارات للدراسات والبحوث الإستراتيجية، في ديسمبر الماضي، مستنداً في إصداره إلى نص المحاضرة التي ألقاها الدخيل في مقر المركز في 31 يوليو 2019. تمهيداً للكتاب يؤكد الدخيل أن البلدين سعيا إلى ﺗﻄﻮﻳﺮ ﻋﻼﻗﺎتهما اﻷﺧﻮﻳﺔ اﻟﻄﺒﻴﻌﻴﺔ ﻟﺘﻜـﻮﻳﻦ تحالف ﻳﺘﻌﺎمل ﺑﻮاﻗﻌﻴﺔ، علمية، مع تحديات اﻻﺿـﻄﺮاﺑﺎت اﻟﻌﻤﻴﻘـﺔ اﻟﺘـﻲ ﻫـﺰت اﻟﻌـﺎلم اﻟﻌﺮبي ﺑﺪاﻳﺔ ﻣﻦ عام 2011، والتي تواصلت على شكل اضطرابات أسقطت معظم مؤسسات الدول التي بدا وكأنها بنيت من رمال الشاطئ، وخلفت فراغا بيروقراطيا، وشكلت مشهدا سورياليا، فكان الواقع اليومي في العواصم العربية أشبه بفيلم هوليوودي صاخب.

أرادت الدولتان (السعودية والإمارات) وقف عدوى انتشار الفوضى، والحفاظ على الاستقرار المهم لهما في اقتصادياتهما ومشروعاتهما التنموية، ومنع انهيار كيان الدولة العربية.

حلف إستراتيجي

أكد الدخيل أن علاقات الرياض وأبوظبي شهدت تناغما وتعاونا وصعودا للبلدين، حيث دخلا عام 2015 حلفا إستراتيجيا متينا يعد الأبرز عربياً، كما اشتركا في حرب الدفاع عن الشرعية في اليمن.

قام تحالفهما على فلسفة أن جذور التاريخ تغذي الحاضر، حيث بدأت علاقتهما منذ قيام الدولتين، وشهد التاريخ مواقف مشتركة لهما، فقد دعما مصر في حرب أكتوبر 1973، وأوقفا تصدير النفط للدول المعتدية على مصر، ودعمهما دحر غزو صدام حسين للكويت 1991، والموقف المشترك من أحداث الفوضى 2011، ودعم استقرار البحرين في نفس العام بالتدخل عبر قوات درع الجزيرة.

خبرة ومجلس تنسيق

بني التنسيق السعودي الإماراتي على رصيد من الواقعية المستمدة من الخبرة السياسية والأخلاقيات السياسية والاجتماعية التي جعلتهما ينبذان تصرفات الدول المارقة، وتوج بتشكيل مجلس تنسيق برعاية مباشرة من القيادتين وإشراف مباشر من ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان وولي عهد أبوظبي الشيخ محمد بن زايد والذي وقع في 16 مايو 2016. لتفعيل المجلس عقدت خلوة العزم في 21 فبراير 2017 في أبوظبي، ثم عقدت الجلسة الثانية للخلوة في 13 أبريل 2017 في الرياض، وتوالت بعد ذلك الاجتماعات، وغطت كل جوانب العلاقة بينهما. يسهم مجلس التنسيق في رسم خريطة تشاركية تعزز التنافس الإيجابي، وهي تتكئ حسب الدخيل إلى علاقات اقتصادية تشكل ركيزة مهمة في توطيد التكامل بين البلدين.

مكافحة التطرف

تنامى وعي السعودية والإمارات حسب الدخيل بخطورة الجماعات الإسلامية المسيسة، واكتملت لديهما الآراء القانونية القاضية بمنع جماعة الإخوان المسلمين وأذرعها من تخريب السلم الاجتماعي وتهديد الاستقرار السياسي، وصنفتا الجماعة إرهابية عام 2014، وذلك بعد مواقف عدة لها، وبعد تكشف ولاءاتها العابرة للحدود والمتنكرة لمبدأ الوطنية واستغلالها العاطفة الدينية وتعميقها السخط العام تجاه الدولة، ومواقفها من غزو صدام حسين للكويت. واللافت أن محور صناعة الفوضى الإسلاموي تخطى مرحلة التخطيط إلى العمل الفعلي المنظم في مشروع تفتيت الدولة العربية، لتحل محلها مؤسسات الجماعة وكوادرها، مقابل سعي سعودي إماراتي لتعزيز استقرار فكرة الدولة والحفاظ عليها.

داعش

عام 2014 كان العالم على موعد مع «داعش» كنسخة جديدة وأكثر عنفا من القاعدة، وأدرك الوعي السعودي الإماراتي مبكرا خطرها، فشاركتا بتأسيس تحالف دولي لمكافحة الإرهاب، وأسهمتا بإدارة مجموعات متفرعة منه، فرأست الإمارات مشاركة مع ألمانيا مجموعة العمل المعنية بالاستقرار، ورأست السعودية مجموعة عمل مكافحة التمويل بمشاركة أمريكا وإيطاليا. ثم اتجهت السعودية لإنشاء تحالف إسلامي عسكري لمكافحة الإرهاب، وكانت الإمارات من أوائل الحاضرين فيه بقوة. أنشأت المملكة بتعاون أمريكي إماراتي أيضا المركز العالمي لمكافحة الفكر المتطرف في 21 مايو 2017.

العاصفة تترجم التكامل

توجت عاصفة الحزم التي أعلنتها المملكة في مارس 2015 التكامل بين السعودية والإمارات حيث دعم البلدان الشرعية في اليمن، وتشاركتا العمليات القتالية ودربتا أفراد الجيش الوطني اليمني وقوات الأمن، وغطتا الاحتياجات الإنسانية في هذا البلد.

مكافحة إرهاب الدولة

يؤكد الدخيل أن الموقف العربي بقيادة المملكة والإمارات ومصر والبحرين كان حاسما إزاء رغبة قطر في استخدام جماعات عابرة للحدود لزعزعة أمن المنطقة. وفي 5 يونيو 2017 أصدرت هذه الدول بيانا رادعا وقاطعت قطر بشكل جماعي لمواصلتها دعم وتمويل واحتضان التنظيمات الإرهابية والمتطرفة والطائفية وعلى رأسها الإخوان، وتوريجها فكر داعش والقاعدة.

مستقبل

يشير الدخيل إلى أنه لا يمكن تجاهل سياسات المحور المضاد لمحور الاستقرار السعودي الإماراتي، حيث يعمل على التثوير ودعم التطرف واستغلال الجماعات السياسية المستندة إلى الدين المسيس، مما أشعل الصراع الطائفي في اليمن وسورية والعراق وغيرها، ودمر الاستقرار في بعض الدول العربية وحولها إلى دول فاشلة.ركز هذا المحور المضاد على الترويج لخلافات وهمية ومحاولة الوقيعة بين البلدين، معتمدا على قضايا راهنة تتعلق بالسياسات المشتركة من جهة مثل الحرب في اليمن أو غيرها من الملفات، وعلى قضايا تاريخية ودينية يحتمل فيها الخلاف من جهة أخرى.

يستند المحور المضاد إلى مصادر وهمية للترويج لما يريد، مستخدما التحوير والتلاعب بالحقائق، وهو ما انبرى له مسؤولون من البلدين لتفنيده ودحضه، حيث يعمل البلدان على وأد الإشاعات في مهدها عبر زيارات مجدولة وتصريحات حاسمة، وعبر المواقف المتطابقة تجاه كثير من القضايا في المنطقة والعالم.

تعاون

يختم الدخيل بالتأكيد على أن نموذج العلاقات السعودية الإماراتية ناجح، ويشكل مقالا واقعيا وحقيقيا لتطور العلاقات العربية العربية، ويعيد لهما الفضل في إعادة التعاون العربي، وإحياء مؤسسات العمل المشترك.

وهو يرى أن العلاقات بين البلدين تعيش اليوم أزهى عهودها، ويعود خيرها على الإنسانية جمعاء.

- الكتاب: العلاقات السعودية الإماراتية في ضوء التحديات الكبرى

- المؤلف: تركي عبدالله الدخيل

- الناشر: مركز الإمارات للدراسات والبحوث الإستراتيجية

- الصفحات: 102